إلخ. ومن الجدير بالذكر أن القرآن الكريم لم يورد مثل هذا الحدث في قصة النبي إبراهيم، إضافة إلى أن البحوث التاريخية في العراق القديم لم تثبت أن ملوك العراق لجئوا إلى تأليه أنفسهم إلا في حالات نادرة، كما في حالة الملك «جوديا» في العصر السومري الثاني، وهو عصر غير عصر الكلدانيين المزعوم - توراتيا - عصرا للنبي إبراهيم، وهو أمر يضاف لتساؤلنا حول مصداقية «أور الكلدانيين» كمنطلق للرحلة الإبراهيمية، وموطن أول له!
وتتابع روايات التراث الإسلامية، فتقول: إن النبوءة كانت محققة في حمل أم النبي إبراهيم عليه السلام به، ولما أتاها المخاض توجهت إلى مغارة في الجبل حيث وضعت وليدها هناك وتركته تحت رحمة الأقدار وعادت إلى قريتها، ولكن الحنين اشتد بها إلى وليدها ولم تنقض من الأيام ثلاثة، وعادت تهرع إلى باب المغارة حيث تركته، وهناك «وجدت الوحوش والطيور حاشدة عند باب المغارة، فأشفقت على إبراهيم، وخشيت أن يكون قد أصابه سوء، أو يكون قد هلك، فلما دخلت عليه ألفته سليما آمنا يجلس على فراش من سندس، مدهونا مكحولا ... وقد لاحظت أنه يمص أصابعه، وأن لبنا يحرج من أصبع، وعسلا يخرج من الآخر، وماء يخرج من الثالث.»
8
وهكذا حاولت أمه أن تنقذه من الموت على يد «نمروذ»، لتتركه ثلاثة أيام كاملة في مغارة بالجبل معرضا لموت محقق، لكن حتى تبرز المبالغات دور القدر ورعايته للبطل، تجده أمه محاطا بالوحوش ترعاه، ويخرج له الغذاء من أصابعه، إضافة إلى الرعاية التجميلية كالدهن والكحل. وهو أيضا ما لم يرد به نص قرآني أو توراتي، ولا يمكن تفسيره إلا في ضوء خصائص الأسطورة والقصص الشعبي، (وللتذكرة فقد ورد ذلك النص في كتاب قدم له الشيخ مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق!) ويستكمل النيسابوري القصة فيقول: «وكان اليوم يمر على إبراهيم عليه السلام كالشهر، والشهر كالسنة، فلم يمكث إبراهيم عليه السلام في المغارة إلا خمسة عشر يوما، حتى جاء إلى أبيه آزر فأخبره أنه ابنه.»
9
ولم يمض إبراهيم عليه السلام إلا قليلا مترددا بين عبادات قومه، الثالوث الكوكبي المقدس لدى الشعوب القديمة (القمر الأب، والشمس الأم، وكوكب الزهرة الابن) حتى انتهى إلى الوحدانية، ومن ثم بدأ يسخر من قومه وأربابهم، التي عدها تماثيل لا تنفع ولا تضر، ثم انتهز يوم خروج قومه من المدينة في عيد لهم، وادعى السقم كي يبقى في المدينة لغرض أضمره، وما إن خرج الناس حتى توجه من فوره - والمدينة خالية - إلى ساحة الأصنام، يحمل فأسا، فحطمها وجعلها جذاذا إلا كبيرا لهم علق الفأس برقبته لتناط به المسئولية. وتقول الآيات:
فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون (الأنبياء: 58)، وعندما عاد القوم، وأصابهم مصاب أربابهم بالهلع والغضب، توجهت أصابع الاتهام فورا إلى إبراهيم؛ لأنه هو الذي كان يعيبها ويستصغر شأنها، فأجابهم بسخرية: إن الذي كسرها هو كبير الآلهة، وفي الحديث عن محمد
صلى الله عليه وسلم
قوله الذي يورده الثعلبي مدعما: «إن إبراهيم عليه السلام، لم يكذب إلا ثلاث كذبات، كلها في الله تعالي؛ قوله: إني سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، «وقوله: للملك الذي عرض لسارة: إنها أختي».»
10
Unknown page