وقال أبو بكر محمد بن حسن الزبيدي اللغوي مؤلف مختصر العين في أول كتابه - اسْتِدْرَاكُ الغَلَطِ الواقع في كتاب العَين - وهو مجلَّد لطيف يخاطب بعضَ إخوانه:
وصل إلينا أَيَّدَكَ الله كتابَك تذكُرُ فيه ما أُولع به قومٌ من ضَعَفَة أهل النَّظر من التحامل علينا والتسرع بالقول فينا بما نسبُوه إلينا من الاعتراض على الخليل بن أحمد في كتابه والتَّخْطِئَة له في كثير من فُضُوله وقلت إنهم قد استمالوا جماعة من الحشوية إلى مذهبهم وعَدَلوا بهم إلى مقالتهم بما لبسوا به وشنَّعوا القول فيه وسألتَ أن أَحْسم ما نَجَم من إفْكِهِم وأرد ما نَدَر من غَرْبِ ألسنتهم ببيانٍ من القول مُفْصِح واحتجاج من النظر مُوضح.
وقد كنتَ - أَيَّدَك الله في صحَّة تمييزك وعظيم النعمة عليك - في نظرك جديرا ألا تُعرِّج على قوم هم بالحال التي ذَكرتَ وأن يقعَ لهم العذرُ لديك بوجوه جَمَّة منها: تخلفهم في النظر وقلةُ مطالعتهم للكتب وجهلُهم بحُدُودِ الأدب مع أن العلَّة المُوجبة لمقالتهم والباعثةَ لتسرُّعِهم علةُ الحسد الذي لا يُدَاوى سَقَمه ولا يُؤْسَى جرحه فقد قال الحكيم: // من البسيط //
(كلُّ العَداوات قد تُرجى إفاقتها ... إلاَّ عداوةَ مَنْ عاداك من حَسدِ) .
أوليسَ من العجب العجيب والنادِر الغريب أن يَتوهَّم علينا مَنْ به مُسْكَة من نظَرٍ: أو رمَق من فَهْم تخطئةَ الخليل في شيءٍ من نظرِه والاعتراضَ عليه فيما دقَّ او جل من مذهبه والخليلُ بنُ أحمد أَوْحَدُ العصر وقريعُ الدهر وجهبذ الأمة وأستاذ أهل الفطنة والذي لم يُرَ نظيرُه ولا عُرِف في الدنيا عديلُه وهو الذي بَسط النحوَ ومَدَّ أطنابَه وسبَّب عِلَلَه وفَتَقَ معانية وأوضحَ الحِجاج فيه حتى بلغ أَقْصى حدودِه وانتهى إلى أبعدِ غاياته ثم لم يرضَ أن يؤلِّفَ فيه حرفا أو يَرْسُمَ منه رَسْمًا نَزَاهَةً بنفسه وتَرَفُّعًا بقَدْرِه إذ كان قد تقدم إلى القول عليه والتأليف فيه فَكَرِهَ أن يكونَ لمن تقدمه تاليا وعلى نظَرِ مَن سَبَقهُ مُحْتَذِيًا واكتفى في ذلك بما أَوْحَى إلى سيبويه من عِلْمِه ولقَّنه من دقائقِ نَظره ونتائج فِكره ولطائفَ حكمته فحَمل سيبويه ذلك عنه وتقلده وألفَّ فيه الكتاب الذي أعجَزَ من تقدَّم قبلَه كما امتنع على مَنْ تأخَّرَ بعده.
ثم ألَّف على مذهب الاخْتراع وسبيل الإبداعِ كتابي الفرش
1 / 64