- وقال إمامُ الحرَمين في البرهان: ذهب بعضُ أصحابنا في طوائف من الفِرَق إلى أن اللغةَ لا يمتنعُ إثباتها قياسا وإنما قالوا ذلك في الأسماء المشتقّةِ كالخمر فإنها من التخمير أو المخامرة فقال هؤلاء: إن خَصّصَت العربُ في الوَضْع اسم الخمر بالخمر النيئة العتيقة يجوزُ تسميةُ النبيذ المشتد خمرا لمشاركتِه الخمر النيئة فيما منه اشتقاقُ الاسم.
والذي نرتضيه أن ذلك باطلٌ لِعلْمنا أن العربَ لا تلتزم طردَ الاشتقاق وأقربُ مُمَالٍ إليه أن الخمرَ ليس في معناها الإطراب وإنما هي المخامرة أو التخمير فلو ساغ الاستمساكُ بالاشتقاق لكان كلُّ ما يَخْمِر العقل أو يُخامره ولا يُطْربُ خمرا وليس الأمر كذلك والقولُ الضابطُ فيه أن الذي يدعي ذلك إن كان يزعمُ أن العربَ أرادته ولم تَبُح به فهو متحكم من غير تثبت وتوقيف فإن اللغاتِ على خلاف ذلك ولم يصح فيها ادّعاءُ نَقْل وإن كان يزعمُ أن العربَ لم تَعْن ذلك فَيُلْحِق فإلحاق شيءٍ بلسانها - وهي لم تُرِده - محال.
والقياسُ في حكم من يبتدىء وضع صيغة.
فإن قيل: الأقيسة الحكمية يدور فيها هذا التقسيم.
قلنا: أَجَل ولكنْ ثَبَتَ قاطعٌ سمعي على أنها متعلَّق الأحكام.
فإن نقلتم قاطعا من أهل اللسان اتَّبَعْنَاه.
ثم السرُّ فيه أن الإجماع انعقَد على وجوب العمل عند قيام ظنون القائسين فلم تكن الظنونُ موجبة علما ولا عملا وليس في اللغات عَمل.
وإن كنتم تظنون شيئا فلا نمنعكم من الظن ولكن لا يسوغُ الحكمُ بالظن المجرد.
فإن تعلق هؤلاء بالأسماء المشتقَّة من الأفعال كأسماء الفاعلين والمفعولين التي تجري على قضيَّةٍ واحدة فقد ثبت في هذه الفنون من طريق النقل اطّرادُ القياس فاتَّبعناه ولا يجري هذا في محل النزاع.
قال الغزَالي في المنخول: اختلفوا في أن اللغات هل تثبتُ قياسا ووجهُ تنقيح محل النزاع أن صوغَ التصاريف على القياس ثابتٌ في كل مصدر نُقِل بالاتفاق وهو في حكم المنقول وتبديلُ العبارات ممتنعٌ بالاتفاق كتسمية الفرس دارا وتسميةِ الدار فرسا ومحلُّ النزاع القياسُ على عبارة تشير إلى معنى وهو حائدٌ عن منهج القياس كقولهم للخمر خمرا لأنه يُخامر العقل أو يَخْمِرُه.
فهل تسمَّى الأشربة المخامِرة للعقل خمرا وكذا قولهم للبعير إذا استحقَّ الحمل فهو حِقّ.
1 / 51