فإن قيل: فالأقيسةُ الشّرعيةُ كلُّها مظنونةٌ ويُعْمَل بها.
قلنا: تلك مستندة إلى سَمْعيّ مقطوعٍ به في وجوب العمل وهو إجماعُ الصحابة وليس في قياس اللغة شيءٌ من ذلك.
فإن قيل: فالمعنى الظاهرُ في موضع الاشتقاق أصلٌ يُقاس عليه فكلُّ محَلٍّ يوجدُ فيه ذلك المعنى ينبغي أن يَجْري عليه ذلك الاسم. قلنا: قد بيَّنا أن ذلك ظنٌّ وتخمينٌ لا يَسْتَنِدُ العملُ به إلى أصلٍ مَقْطوع به فكيف يقاسُ عليه
وقال أبو الفتح بن برهان في كتاب الوصول إلى الأُصول: لا يجوزُ إجراءُ القياس في الأسامي اللغوية المشتقة خلافا للقاضي وابن شُرَيح وطوائفَ من الفقهاء فإنهم أثبتوا الأسَامِي بالقياس وقالوا: النبيذُ يسمَّى خمرا لأن فيه شدة مُطْرِبة فهو كعصير العنب. واللِّوَاط يسمى زنا لأنه وَطْء في فرج مُشتهى طبعا محرّمٍ قطعا فكان زنا كالوَطْءِ في القُبل.
وذَكَرَ الدليل على رده كما تقدم في كلام الكِيَا الهرّاسِي في تعليقه سواء.
ثم قال: وعمدةُ الخَصْم أن العرب وَضعت اسمَ الفرس للحيوان الذي كان في زمانهم موجودا ثم انقَرضَ وحدَث حيوانٌ آخرُ فسمِّي بذلك بطريق الإلحاق والقياس.
قلنا: هذا ليس بصحيح بل العربُ وضَعت هذا الاسم للجنس والجنسُ لا يَنْقَرض.
قالوا: إذا جاز إجراءُ القياسِ في الأحكام الشَّرعية عند فَهْم المعنى جاز إجراءُ القياس في الأسَامِي اللغوية عند فَهْم المعنى.
قلنا: هذا باطلٌ فإن القياس الشَّرعي إنما جاز إثباتُ الأحكام به بالإجماع المتَّفَق عليه وليس فيما تنَازعْنَا فيه إجماع وليس المقصودُ من إثبات الاسم اللغوي إثباتَ الحكم فإن القياسَ يجري في الأسامي اللغوية قبل الشَّرع على رأي مُثْبتي القياس في اللغة ولأن المعنى في القياس الشَّرعي مطَّرِد وفي القياس اللغوي غيرُ مطَّرد فإن البَنْج لا يسمى خمرا وإن كان يخامِرُ العقل والدار لا تسَمَّى قارُورة وإن كانت الأشياء تستقر فيها والغرابُ لا يسمى أَبْلَق وإن اجتمع فيه السوادُ والبياض.
فليس القياسُ الشرعي كالقياس اللغوي في المعنى وإن تمسكوا بأنَّ القياسَ يجري في المصادر نحو ضرب يضرِب ضربا وأكل يأكل أكلا فلسنا نسلم أن اللغة تثبت بالقياس وإنما تثبتُ نقلا عن العرب.
1 / 50