الدين وأتباعه إلى الأول واستدلوا عليهِ بأن اللفظ يتغر بحسب تغيُّر الصورة في الذِّهن فإن مَنْ رأَى شَبحًا من بعيد وظَنَّه حَجرًا أطلق عليه لفظ الحجر فإذا دَنا منه وظنَّه شجرا أطلق عليه لفظ الشجر فإذا دَنَا وظنَّه فرسا أطلق عليه اسم الفرس فإذا تحقَّق أنه إنسان أطلق عليه لفظَ الإنسان فَبَانَ بهذا أن إطلاقَ اللفظ دائر مع المعاني الذهنيَّة دون الخارجية فدل على أن الوضْعَ للمعنى الذهني لا الخارجي.
وأجاب صاحبُ التحصيل عن هذا بأنه إنما دار مع المعاني الذِّهنية لاعْتقاد أنها في الخارج كذلك لا لِمُجرَّد اختلافِها في الذهن.
قال الأسنوي في شرح منهاج الإمام البيضاوي: وهو جواب ظاهر.
قال ويظهرُ أن يُقال: إن اللفظ موضوع بإزاءِ المعنى من حيث هو مع قَطْعِ النظر عن كونه ذهنيا أو خارجيا فإن حصولَ المعنى في الخارج والذهن من الأوصاف الزائدة على المعنى واللفظُ إنما وُضِعَ للمعنى من غير تقييده بوَصْفٍ زائد.
ثم إن الموضوعَ له قد لا يُوجد إلا في الذهن فقط كالعلم ونحوه. انتهى.
وقال ابو حيان في شرح التسهيل: العجبُ ممن يُجيز تركيبا مَا في لغة من اللغات من غير أن يسمعَ من ذلك التركيب نظائرَ وهل التراكيب العربية إلا كالمفردات اللغوية فكما لا يجوز إحداثُ لفظٍ مفردٍ كذلك لا يجوز في التراكيب لأن جميعَ ذلك أمورٌ وضعية والأمورُ الوضعيةُ تحتاج إلى سماع من أهل ذلك اللسان والفرقُ بين علم النحو وبين علم اللغة أن علمَ النحو موضوعُه أمورٌ كلية وموضوعُ علم اللغة أشياء جزئية وقد اشتركا معا في الوضْع انتهى.
وقال الزَّركشيُّ في البحر المحيط: لا خِلاَفَ أن المفرداتِ موضوعةٌ كوضع لفظ (إنسان) للحيوان الناطق وكوَضْعِ (قام) لحدوث القيام في زمن مخصوص وكَوَضْع (لعلَّ) للترجِّي ونحوها واختلفوا في المركبات نحو (قام زيد) و(عمرو منطلق) فقيل ليست موضوعة ولهذا لم يتكلم أهلُ اللغة في المركبات ولا في تأليفها وإنما تكلموا في وَضْع المفردات وما ذاك إلاَّ لأن الأمر فيها مَوْكول إلى المتكلِّم بها واختاره فخرُ الدين الرازي وهو ظاهرُ كلام ابن مالك حيث قال: إن
1 / 37