فإن قلت: مِنْ أين لنا اشتراطُ ذلك واللفظُ وحدَه كافٍ في ذلك لأن الواضع وضَعَه لذلك قلت: وضْعُ الواضع له معناه أنه جعله مُهَيَّأً لأن يفيد ذلك المعنى عند استعمال المتكلم على الوجه المخصوص والمفيدُ في الحقيقة إنما هو المتكلم واللفظُ كالآلة الموضوعة لذلك.
فإن قلتَ: لو سمعنا (قام الناس) ولم نَعْلَم مِنْ قائِله هل قصده أم لا وهل ابتدأه أو ختمه بما يغيِّره أو لا هل لنا أن نُخبِر عنه بأنه قال: قام الناس قلت: فيه نظر يحتمل أن يُقال بجوازه لأن الأصل عدمُ الابتداء والختم بما يُغيّره ويحتمل أن يقال: لا يجوز لأن العُمْدة ليس هو اللفظ ولكنَّ الكلام النفساني القائم بذات المتكلم وهو حكمه واللفظ دليل عليه مشروط بشُروط ولم تتحقَّق.
ويُحْتَمل أن يقال: إن العلم بالقصد لا بد منه لأنه شَرْطٌ والشكُّ في الشرط يقتضي الشك في المشروط والعلم بعدم الابتداء والختم بما يخالفُه لا يُشْتَرَط لأنهما مانعان والشكُّ في المانع لا يقتضي الشك في الحكم لأن الأصلَ عدمه.
قال واختار والدي ﵀ أنه لا بدَّ من أن يعلم الثلاثة.
انتهى.
- المسألة الخامسة - اختلف هل وضَعَ الواضعُ المفرداتِ والمركَّبات الإسنادية أو المفردات خاصة دون المركبات الإسنادية فذهب الرازي وابنُ الحاجب وابنُ مالك وغيرُهم إلى الثاني وقالوا: ليس المركَّب بموضوع وإلا لتوقَّفَ استعمالُ الجُمل على النَّقْل عن العرب كالمفردات.
ورجَّح القَرَافي والتاج السبكي في جمع الجوامع وغيرهما من أهل الأصول أنه موضوع لأن العربَ حَجَرت في التراكيب كما حَجَرت في المفردات.
وقال ابن إبار في شرح الفصول في قول ابن عبد المعطي: الكلامُ هو اللفظُ المركب المفيد بالوضع كذا قال الجزولي وكان شيخي سعد الدين يقولُ فيه بغير ذلك لأنَّ واضعَ اللغةِ لم يَضَع الجملَ كما وضعَ المفردات بل ترك الجُمل إلى اختيار المتكلِّم.
يُبَيِّنُ ذلك لك أن حال الجُمل لو كانت حال المفردات لكان استعمالُ الجمل وفهم معانيها متوقفا على نقلها عن العرب كما كانت المفردات كذلك
1 / 35