جمع الخليفة عثمان بن عفان أمراء الأمصار في موسم الحج عام 34 ه وهم : معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح، وسعيد بن العاص، وعبدالله بن عامر، واستشارهم في أمر هؤلاء المنحرفين، وما يتكلمون به، فأشير عليه بأن ينقل هؤلاء المنحرفين إلى الثغور فينشغلوا بأنفسهم كما اقترح عليه إعطائهم الأعطيات حتى يرضخوا للأمر ويطيعوا. ولكنه لم ير هذا الرأي ولا ذاك. ولما كثر الكلام عن سعيد ابن العاص أمير الكوفة، والمطالبة بأبي موسى الأشعري بدلا عنه، استجاب الخليفة للطلب فعزل سعيدا وولى أبا موسى مكانه، وكتب لأهل الكوفة "أما بعد، فقد أمرت عليكم من اخترتم، وأعفيكم من سعيد، والله لأفرشنكم عرضي، ولأبذلن لكم صبري، ولأستصلحنكم بجهدي، فلا تدعوا شيئا أحببتموه لا يعصى الله فيه إلا سألتموه، ولا شيئا لا يعصى الله فيه إلا استعفيت منه، أنزل فيه عندما أحببتم حتى لا يكون لكم علي حجة". وفي الوقت نفسه سار حذيفة بن اليمان غازيا إلى باب الأبواب.
لم تفد المخربين أعمال الخليفة ولينه لهم بل استمروا في تصرفاتهم وكلامهم، فأرسل الخليفة بعض الصحابة إلى الأمصار يستطلعون آراء الناس، ويعرفون أخبار المسلمين وموقفهم، فقد بعث محمد بن مسلمة إلى الكوفة، وأسامة بن زيد إلى البصرة، وعبد الله بن عمر إلى الشام، وعمار بن ياسر إلى مصر، ورجالا آخرين سواهم، فرجع الجميع ولم ينكروا شيئا، إلا عمار بن ياسر فقد تأخر واستمع إلى ما كان يشاع.
وجاء وفد من مصر في رجب عام 35 ه إلى الحجاز يظهرون أنهم يريدون العمرة، وفي نيتهم مناظرة الخليفة ومناقشته في المدينة لبلبة الآراء وإشعال نار الفتنة، وتمت مقابلة الخليفة، وأبدى رأيه، واقنع الوفد خارج المدينة بنفسه أو بواسطة بعض الصحابة منهم علي بن أبي طالب ومحمد بن مسلمة، ودخل بعضهم المدينة، وحضر خطبة للخليفة أثنى فيها على الوفد، واستغفر الله، وبكى وأبكى الناس، وانصرف المصريون راجعين إلى بلادهم.
Page 49