تداول القوم الأمر، وتكلم كل منهم بكلمة تبين الاشفاق على الأمة والخوف من الفرقة. ثم قال عبد الرحمن بن عوف وقد كان في البداية أول المتكلمين "أيكم يخرج منها نفسه، ويتقلدها على أن يوليها أفضلكم؟" فلم يجبه أحد، فقال : فأنا انخلع منها، فقال عثمان : أنا أول من رضي، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "أمين في الأرض أمين في السماء"، فقال القوم : قد رضينا - وعلي ساكت - فقال : ما تقول يا أبا الحسن ؟ قال : اعطني موثقا لتؤثرن الحق ولا تتبع الهوى، ولا تخص ذا رحم، ولا تألوا الأمة فقال : اعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معي على من بدل وغير، وأن ترضوا من اخترت لكم، علي ميثاق ألا أخص ذا رحم لرحمه، ولا آلو المسلمين. فأخذ منهم ميثاقا وأعطاهم مثله، فقال لعلي : إنك تقول : إني أحق من حضر بالأمر لقرابتك وسابقتك وحسن أثرك في الدين ولم تبعد، ولكن أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر، من كنت ترى من هؤلاء الرهط أحق بالأمر ؟ قال : عثمان. وخلا بعثمان، فقال : تقول : شيخ من بني عبد مناف، وصهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمه، لي سابقة وفضل - لم تبعد - فلن يصرف هذا الأمر عني، ولكن لو لم تحضر فأي هؤلاء الرهط أحق به ؟ قال : علي. ثم خلا بالزبير فكلمه بمثل ما كلم به عليا وعثمان، فقال : علي. ثم خلا بسعد، فكلمه، فقال : عثمان. وهكذا حصر الأمر بين علي وعثمان، ولم يرد عبدالرحمن بن عوف أن يختار هو فيرجح الكفة، وينظر إليه أنه هو الذي اختار أو عين، فقد كانوا رضي الله عنهم يريدون أن يبتعدوا عن مثل هذه المواقف والمواطن.
Page 39