Muyassar Fi Haya
الميسر في حياة الخلفاء الراشدين
Genres
وطلب ماهان خالدا ليبرز إليه فيما بين الصفين فيجتمعا في مصلحة لهم، فقال له ماهان: إنا قد علمنا أن ما أخرجكم من بلادكم الجهد والجوع، فهلموا إلى أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وكسوة وطعاما وترجعون إلى بلادكم، فإذا كان من العام المقبل بعثنا لكم بمثلها، فقال خالد : إنه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت، غير أنا قوم نشرب الدماء، وأنه بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم، فجئنا لذلك. فقال أصحاب ماهان : هذا والله ما كنا نحدث به عن العرب، وهكذا كلمة واحدة بعزة النفس تميت معنويات الخصم.
تقدم خالد إلى عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو - وهما على مجنبتي القلب -أشار لهما أن ينشبا القتال، وهكذا بدأت المعركة. وكان ذلك في أوائل شهر رجب من السنة الثالثة عشرة، وحملت ميسرة الروم على ميمنة المسلمين فمالوا إلى جهة القلب، وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول : اللهم زلزل أقدامهم، وأرعب قلوبهم، وأنزل السكينة علينا، وألزمنا حكمة التقوى، وحبب إلينا اللقاء، وأرضنا بالقضاء. وانكشفت زبيد، ثم تنادوا فتراجعوا، وحملوا على الروم وأشغلوهم عن اتباع من انكشف، وردت النساء من فر، فرجع الناس إلى مواقعهم.
وقال عكرمة بن أبي جهل : قاتلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مواطن وأفر منكم اليوم ؟ ثم نادى من يبايع على الموت ؟ فبايعه ضرار به الأزور، والحارث بن هشام عم عكرمة وعدد من المسلمين ووصل عددهم إلى أربعمائة رجل من أعيان الناس، وقاتلوا أمام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعا جرحى، وقتل منهم عدد كبير منهم ضرار بن الأزور. ويذكر أنهم استسقوا ماء وهم جرحى فجيء إليهم بشربة ماء، فلما قربت إلى أحدهم نظر إليه الآخر، فقال : ادفعها إليه، فلما دفعت إليه نظر إليه الآخر، فقال : ادفعها إليه، فتدافعوها كلهم من واحد إلى واحد حتى ماتوا جميعا، ولم يشربها أحد منهم.
Page 123