فالبيتان الأولان جيدان، وقوله جثت طيور الموت في أوكارها بيت ردئ في القسمة، ردئ في المعنى؛ لأنه جعل طير الموت في أوكارها جاثمةً: أي ساكنة لا ينفرها شيء، وطير العقل غير جثومٍ، يعني أنها قد نفرت فطارت، يريد طيران عقولهم من شدة الروع، وما كان ينبغي أن يجعل طير الموت جثوما في أوكارها، وإنما كان الوجه أن يجعلها جاثمة على رؤوسهم، أو واقعة عليهم، فأما أن تكون جائمة في أوكارها فإنها في السلم أو في الأمن جاثمة في أوكارها أيضًا، وطير العقل ليست بضد لطير الموت، وإنما هي ضد لطير الجهل، وطير الحياة هي الضد لطير الموت، ولو كان قال:
جثمت طيور الموت فوق رؤوسهم ... فتركن أطيار الحياة تحوم
لكان أشبه وأليق، أو لو قال:
سقطت طيور الروع فوق رؤوسهم ... فتركن أطيار العقول تحوم
لكان أيضًا قريبًا من الصواب؛ لأنهم يقولون: طار عقله من الروع، فإذا ثاب إليه عقله وسكن قيل: قد أفرخ روعه، وهذا مثل، وذلك أن الطائر إذا أفرخ لزم عشه وفراخه، وقد يجوز أن يكون " أفرخ روعه " أي: ذهب؛ لأن الطائر إذا أفرخ فطارت فراخه انتقل عن ذلك العش، وقولهم " جثم الطائر " إنما هو أن يلصق جثمانه بالأرض، يذهب إلى أن طيور الموت ساكنة، وطيور العقل منزعجة طائرة،