269

Al-Muwāfaqāt

الموافقات

Editor

أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان

Publisher

دار ابن عفان

Edition

الأولى

Publication Year

1417 AH

عِبَادَةٍ، أَوْ يَكُونُ أَخْذُهُ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْإِذْنِ لَا مِنْ جِهَةِ الْحَظِّ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نَوْعٌ مِنَ الشُّكْرِ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتْرُكَهُ حَتَّى يَصِيرَ مَطْلُوبًا؛ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا؛ فَإِنَّهُ -إِذَا كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ- مُبَاحٌ كَأَكْلِ بَعْضِ الْفَوَاكِهِ، فَيَدَعُ التَّنَاوُلَ إِلَى زَمَانِ الْحَاجَةِ إِلَى الْغِذَاءِ، ثُمَّ يَأْكُلُ قَصْدًا لِإِقَامَةِ البنية، والعون في الطَّاعَةِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا أَغْرَاضٌ صَحِيحَةٌ، مَنْقُولَةٌ عَنِ السَّلَفِ، وَغَيْرُ قَادِحَةٍ فِي مَسْأَلَتِنَا.
- وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ التَّارِكُ مَأْخُوذَ الْكُلِّيَّةِ فِي عِبَادَةٍ: مِنْ عِلْمٍ، أَوْ تَفَكُّرٍ، أَوْ عَمِلٍ، مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ؛ فَلَا تَجِدُهُ يَسْتَلِذُّ بِمُبَاحٍ، وَلَا يَنْحَاشُ١ قَلْبُهُ إِلَيْهِ، وَلَا يُلْقِي إِلَيْهِ بَالًا، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا؛ فَالتَّرْكُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُشْبِهُ الْغَفْلَةَ عَنِ الْمَتْرُوكِ، وَالْغَفْلَةُ عَنْ تَنَاوُلِ الْمُبَاحِ لَيْسَ بِطَاعَةٍ، بَلْ هُوَ فِي طَاعَةٍ بِمَا اشْتَغَلَ بِهِ، وَقَدْ نُقِلَ مِثْلُ هَذَا عَنْ عَائِشَةَ حِينَ أُتيت بِمَالٍ عَظِيمٍ فَقَسَّمَتْهُ، وَلَمْ تُبْقِ لِنَفْسِهَا شَيْئًا، فعُوتبت عَلَى تَرْكِهَا نَفْسَهَا دُونَ شَيْءٍ، فَقَالَتْ: "لَا تُعنِّيني٢، لَوْ كُنْتِ ذَكَّرْتِنِي لَفَعَلْتُ"٣، وَيَتَّفِقُ مِثْلُ هَذَا لِلصُّوفِيَّةِ، وَكَذَلِكَ إِذَا تَرَكَ الْمُبَاحَ لِعَدَمِ قِيَامِ النَّفْسِ لَهُ٤ هُوَ فِي حُكْمِ الْمَغْفُولِ عَنْهُ.
- وَمِنْهَا: أَنَّهُ قَدْ يَرَى بَعْضَ مَا يَتَنَاوَلُهُ مِنَ الْمُبَاحِ إِسْرَافًا، وَالْإِسْرَافُ مَذْمُومٌ، وَلَيْسَ فِي الْإِسْرَافِ حَدٌّ يُوقَفُ دُونَهُ، كَمَا فِي الْإِقْتَارِ؛ فَيَكُونُ التوسط

١ أي: لا يتحرك. انظر: "لسان العرب" "ح وش".
٢ لا تعنيني؛ أي: لا تعترضيني. انظر "لسان العرب" "ع ن ن".
وفي بعض مصادر التخريج: "لا تعنفيني".
٣ أخرجه الدارقطني في "المستجاد" "رقم ٣٦، ٣٧"، وابن سعد في "الطبقات" "٨/ ٦٧"، وأبو نعيم في "الحلية" "٢/ ٤٧، ٤٨، ٤٩"، والحاكم في "المستدرك" "٤/ ١٣"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" "١٦/ ق ٧٣٨" بأسانيد بعضها صحيح.
٤ كترك تناول بعض المأكولات؛ لأن نفسه لا تقبل عليها ولا تتلذذ بها، وإن كان الغير على خلاف ذلك. "د".

1 / 191