وذلك أنا لما أثبتنا دليل العقل وجعلناه من أعظم حجج الله، أثبتنا معرفة الله بالعقل وبما دلنا على معرفته مما أتقن من حكيم صنعته؛ فعرفنا الله سبحانه وعرفنا صفاته من كونه موجودا، حيا،قادرا على كل شيء، عالما بكل شيء، سميعا بصيرا، غنيا عن كل شيء...إلى غير ذلك من صفات الله تعالى.
فلما عرفنا ذلك وجاءنا رجل يدعي أنه رسول من عند الله وأن الله أمره أن يبلغنا بتكاليف واجبة علينا، وأن من أخل بما كلف به فإنه سيناله من خالقه عذابه الأليم.
وجب علينا عند ذلك أن ننظر بعقولنا في هذه الدعوى لنعرف صدقها من كذبها؛ فإن كانت صادقة عملنا بها واتبعنا هذا الرسول لكي ننجى من هذا العذاب الأليم؛ لأن دفع الضرر عن النفس واجب كما يعرفه كل عاقل.
وإن كان هذا المدعي للنبوة كاذبا أمنا مما توعدنا به، وعرفنا أنه لن ينالنا منه أي ضرر؛
فعند أن يقول هذا المدعي للنبوة: أنا آتيكم بدليل على صدق كلامي وصحة نبوتي، وذلك أني أفعل لكم فعلا لا يستطيع فعله إلا الله سبحانه وتعالى، وجاءنا بالمعجزة صدقناه لعلمنا أنه لو لم يكن صادقا لما صدقه الله بهذه المعجزة،لأن تصديق الكاذب قبيح والله سبحانه لا يجوز عليه فعل القبيح،لعلمه بقبح القبيح،وغناه عنه، وعلمه باستغنائه عنه، ومن كان كذلك استحال عليه فعل القبيح.
Page 14