ولم يكن داغير قد تزوج فأقام بضعة أعوام في بلده بعد سفر مرسلين، ثم باع أراضيه بمائة وخمسين ألف فرنك وجاء إلى باريس، فلم يكن يشغله غير السعي لنيل ثروة كبيرة كيفما اتفق، حتى لو أمكنه أن يسرق أو يقتل في هذا السبيل لما تردد.
وكان يعلم أن بوفور غني فكان يبالغ في إظهار التودد له ويغتنم فرصة يأس صديقه، فيعبث به كما يشاء، فكان خير عزاء له؛ لأنه كان يكلمه عن مرسلين.
وقد اتفق أن بوفور خطر له أن يشتغل بصب الحديد ليس للربح، بل للتلهي بالعمل عما هو فيه من الحزن المبرح، فاقترح عليه داغير أن يشاركه وهو لم ينفق ثمن أراضيه بعد، فنجحت أعمال الشركة في البدء، ثم جاء دور الخسارة على أثر الحرب، فكان بوفور يساعد الشركة بماله الخاص، فأنقذها مرتين من الإفلاس، وقد قال لشريكه في المدة الأخيرة: إني لا أجد أقل دليل على إمكان نجاح الشركة، فخير لك أيها الصديق أن تسترجع رأسمالك اليوم؛ فقد لا تستطيعه غدا؛ لأني لا أخاطر بكل ثروتي في عمل خاسر، وقد أنذرتك فتدبر.
قال: سوف نرى، ولكني لا أرى مشروعنا بالعين التي تراه فيها. - بل أنت المخطئ؛ فإن الإفلاس على الباب وفي ذلك خرابك.
فابتسم داغير ابتسام الحاسد الناقم، وقال: لقد أصبت فإني أخسر ثروتي بجملتها، أما أنت ...؟ - أما أنا فأكون قد خسرت خمسمائة ألف فرنك، ولولا مساعدتي لحدث من [...]
2
حدوثه اليوم، فلا تكن ظالما أيها الصديق وكن من المنصفين.
فلم يجبه بشيء، ولكن مراجل الحسد كانت تغلي في قلبه الحقود.
وجاء دور التصفية على أثر الخسارة التي كان يتوقعها بوفور، فقال لصديقه: هو ذا الخراب قد حدث، أما أنذرتك من قبل؟ - لماذا لا تمد الشركة بنجدة من مالك؟ - هذا محال الآن، وقد كان يجمل بك العمل بنصيحتي يوم كنت أتوقع هذا الموقف، فلو أخذت يومئذ رأس مالك الذي أرجعته إليك مرتين فما كنت في هذا الموقف الآن. - إذن أنت ترفض مساعدة الشركة؟ - كل الرفض.
فضم داغير قبضتيه، ولكنه لم يقل شيئا إذ لم يبق له ما يقوله.
Unknown page