فأطرقت بعينيها إلى الأرض وقالت: إذا أراد الله.
فلما ابتعد عنها ندمت على ما قالته، وقالت في نفسها: لا شك أني جننت، ولكنه لن يراني بعد؛ فإني أعلم كيف أجتنبه.
وعند ذلك جاءت عمتها فقالت لها: هل أخذت التذاكر لزيريخ؟
قالت: نعم، أما هكذا اتفقنا؟ - لقد غيرت خطتي، فلا أريد السفر إلى زيريخ. - أفقدت صوابك؟ - ربما. - إلى أين تريدين أن نسافر؟ - إلى بلد تتلبد الثلوج فوق جبالها؛ فلا يمكن اجتيازها. - وهذه البلدة؟ - هي غرند لولد فأسرعي إلى تغيير التذاكر.
فذهبت عمتها وهي تهز رأسها، وقالت مرسلين في نفسها: إنه إذا تلاقينا هناك يكون قد صدق في ما قاله، وهو أن الله يريد هذا اللقاء، على أني لا أتمنى إلا أن أعيش وحدي مع ولدي مدى الحياة.
وذهبت إلى تلك القرية فأقامت فيها مع عمتها، وجعلت كل يوم تذهب وحدها إلى الجبال المحدقة بها وتتنزه بين غاباتها.
فبينما هي جالسة يوما في ظل شجرة رأت رجلا ينزل من قمة عالية، فلم تتبين وجهه لشدة بعده عنها.
وما زال يقترب حتى صار على بعد مائة متر منها، فكاد قلبها أن يثب من صدرها إذ عرفته، وقال بلهجة تشف عن الرعب: هذا هو!
أما هو فلم يرها؛ لأنه لم يكن ينظر إلى جهتها، إلى أن دنا منها فصاح صيحة دهش ورفع قبعته بملء الاحترام، وقال: أرأيت يا سيدتي أنها إرادة الله؟
فلم تجبه، ومضى في حديثه فقال: أقسم لك بشرفي أني لم أكن أعلم بوجودك في هذه القرية، وأن الصدفة وحدها قادتني إليها. - إنه اتفاق غريب يا سيدي، إذا كان حقا كما أريد أن أعتقد أنك ما قفوت أثرنا. - لقد أقسمت لك بشرفي يا سيدتي. - لا حاجة إلى القسم؛ فقد وثقت ورجائي ألا يسوءك قولي؛ فإنك لا تعرفني ولا أجد لك فائدة من معرفتي. - ألم تعديني بذلك يا سيدتي، فلماذا تجفينني دون أن تعرفيني؟ - أية فائدة من ذلك؟ - إني أحبك وأقصى ما أتمناه تبادل هذه العاطفة. - كيف تحبني وأنت لم ترني أكثر من أربع مرات؟ - قد يتولد الحب من نظرة، وإن حبي طاهر شريف يا سيدتي لا أريد به غير إسعادك. - إنك واهم يا سيدي، أما وقد لقيتني الآن وكشفت القناع عن ضميرك فاعلم أن إلحاحك يزعجني. - أهكذا تريدين أن أسافر دون رجاء؟ - نعم. - إذن إن قلبك مقيد؟ - كلا؛ فإني لا أحب أحدا.
Unknown page