فالتفت الاثنان إلى مرسلين، وقد تبين في وجهها القنوط، فابتسمت ابتساما مغتصبا، وقال الكونت: إن ابتسامها علامة القبول، فهي تنتظر ما دمت تريد، فتعال لزيارتنا جهد إمكانك فأنت هنا كأنك في بيتك.
فنهض جان ومشى إلى مرسلين فقال لها: إني أسعد الناس بما سمعته من أبيك؛ فإن هذا الإفلاس زادني تقربا منك؛ فإن ثروتك كانت شبه حاجز بيننا، أما الآن فقد صرنا متساويين، فإلى اللقاء القريب.
وقد ودعهما وانصرف، ففتح الكونت نوافذ القاعة التماسا للهواء، ثم قال لابنته: أرأيت يا مرسلين؟ هل انجلت لك الحقيقة بالبرهان؟
فشهقت وهي تقول: يا له من خائن، ثم سقطت مغميا عليها بين ذراعي أبيها.
وقد طال إغماؤها ساعة دون أن تستفيق حتى خشي أبوها أن تكون فارقت الحياة، فجعل يبكي ويقول: ويلاه أنا الذي قتلتها.
ثم فتحت عينيها فضمها إلى صدره، وقال: ابكي يا ابنتي قدر ما تستطيعين فإن البكاء يفرج الأحزان.
وقد كان يأس تلك المنكودة عظيما، حتى إنها كادت أن تحقد على أبيها، ولكنها بقي لها شيء من الرجاء بعودته، فأقبل الليل ومضى اليوم الثاني دون أن يعود، وفي اليوم الثالث ورد منه إلى أبيها الكتاب الآتي:
سيدي الكونت
أسألك المعذرة؛ لأني اضطررت إلى السفر إلى باريس دون أن أخبرك؛ لشغل هام، فأرجو أن تبلغ أشواقي لمرسلين وأن تقبل تحياتي.
وبعد أسبوعين عاد من باريس فمضى شهر دون أن يزور خطيبته، وكان الكونت عالما بعودته ولكنه لم يخبر مرسلين التي كانت معتزلة في غرفتها تبكي وتصلي؛ لأنها باتت الآن صاحبة سر إذا انكشف لبسها عاره مدى الحياة، ولم يعد في وسعها كتمان هذا السر إلى أمد طويل؛ لأنها ستصبح أما.
Unknown page