Mutalacat Fi Lugha Wa Adab
مطالعات في اللغة والأدب
Genres
ولا بد أن يقل عدد المتطفلين على الكتابة بعد اليوم، ولا بد أن يرتقي ذوق القراء فلا تقرأ جريدة لا يشترك في كتابتها صاحب كفاية.
لن يكتب بعد اليوم في السياسة إلا الاختصاصي في السياسة، ولن يكتب في الأدب إلا الاختصاصي في الأدب، ولن يكتب في العلم إلا الاختصاصي في فرع من فروعه، ولن يكون صاحب كفاية إلا مقدورا قدره.
ومتى كان أصحاب الكفايات وكبار السن هم أساتذة الأمة وزعماءها، سارت في طريقها على هدى إلى الأحسن والأعلى، إلا أن هناك موضع نظر لا بد من الإشارة إليه استيفاء للحديث.
يظهر أن الصحف اليومية على ارتقائها لا تحتمل متابعة البحث في موضوع واحد أو التقصي فيه، ومن تتبع آثار الأستاذ طه حسين في جريدة السياسة الغراء، رأى أنه طرق أبحاثا كثيرة طريفة لم يسبقه إليها أحد في اللغة العربية، وكلها تشف عن بصيرة نيرة وعلم نضيج؛ بل تدل على أنه أكتب مما يكتب وأعلم مما تقرأ له، لا تقرأ له شيئا إلا تركك تشعر أن الذي قرأته ليس إلا قليلا من كثير، على حين لا تكاد تقرأ شيئا لكثيرين غيره إلا شعرت أن ما قرأته هو كل ما عندهم؛ بل أكثر مما عندهم؛ بل قد تشعر أنهم قد عدوا طورهم وتعرضوا لما ليس من شأنهم أو اختصاصهم، وأنه كان الأولى بهم أن لا يتعرضوا له.
ولكن الأستاذ على إعجاب القراء بكل ما يكتب، وتطلعهم إلى المزيد منه، لا يكاد يتناول بحثا إلا طواه إلى غيره فغيره، ولا يعود إلى بحثه الأول إلا بعد أن يعتقد القراء أنه لن يعود إليه، وقد يكتفي من البحث بما لا يرضيه، وعذره أنه يكتب في صحيفة يومية، فلو ألف كتابا أو كتب في مجلة علمية لكانت أبحاثه أوفى، مما يجوز معه أن يقال إن العلم في الصحف اليومية هو في المحل الثاني، وإن السياسة هي في المحل الأول. وإن الصحافة لم تعن بالعلم إلا خدمة للسياسة، إغراء للقراء على اختلاف مذاهبهم بالإقبال عليها ، واستدراجا لهم من حيث يشعرون ولا يشعرون إلى انتحال مذهبها. ولم يكن هذا التنقل في البحث على غير استيفاء ولا استقصاء إلا لأنه أشوق للقراء وأدعى لاهتمامهم، فيكون مثل الصحافة اليوم مثل المبشرين بالدين يؤسسون المدارس ويقيمون المستشفيات ويعنون بالألعاب الرياضية، لا للتعليم ولا للعناية بالمرضى ولا لترويج الألعاب الرياضية، ولكن تذرعا بذلك كله إلى نشر الدعوة.
إن استخدام العلم للسياسة ينفع السياسة، ولكن لا يرقي العلم بل يحط من شأنه.
لتشتغل الصحافة بالسياسة، وليدع كل إلى مذهبه، ولكن لتعط العلم والأدب حقهما، ولتجلهما عن أن يكونا وسيلة في يد السياسة.
تطور اللغة في ألفاظها وأساليبها (1)1
أرجو من القارئ الكريم أن يعير هذه «المراجعات» التي دارت بيني وبين الأمير شكيب أرسلان - أحد أركان النهضة وأكبر زعماء الأدب في هذا العصر، حول المذهبين القديم والجديد في الكتابة - جانب اهتمامه. ***
تتطور اللغة في ألفاظها وأساليبها تطورا مستمرا في تؤدة وخفاء، فلكل عصر، بل لكل إقليم في كل عصر، لغته وأسلوبه، حتى إنك لتستطيع أن تعرف القول من أي عصر أو من أي إقليم هو، وإن كنت لا تعرف قائله، وإذا كنت ممن أولعوا بالأدب العربي فلا بد أن تكون قد رأيت آثار هذا التطور في كل عصر وكل إقليم.
Unknown page