Mutalacat Fi Lugha Wa Adab
مطالعات في اللغة والأدب
Genres
تطور الصحافة
2
إن صحافة كل أمة تابعة لها، لا تجد صحافة راقية في أمة منحطة، ولا تجد صحافة منحطة في أمة راقية. ومن قابل صحافة اليوم بما كانت عليه إلى عهد قريب رأى أنها قد دبت فيها الحياة، وأخذت تترقى يوما فيوما تبعا لنهوض الأمة وتطورها.
وهذه بعض الوجوه التي تتميز بها صحافة اليوم عما كانت عليه قبله: (1)
نزل إلى ميدان الصحافة كبار الناس أصحاب الجاه العريض والثروة الطائلة من زعماء السياسة، يستعملونها للتبشير بمذاهبهم، ينفقون عليها عن سعة، فصارت أكثر الصحف تعيش على أصحابها، بعد أن كان أصحابها يعيشون عليها؛ بل يبتذلونها في سبيل التعيش والتكسب، فأثرى القليلون، وأدركت الكثيرين حرفة الأدب. (2)
جعلت الصحافة تعنى بالعلم والأدب عنايتها بالسياسة، فكانت السياسة سببا لترويج العلم والأدب، وكان العلم والأدب سببا لترويج السياسة، فهي أول وهما المحل الثاني أو هما أول وهي المحل الثاني.
وقد كانت جريدة السياسة الغراء في طليعة هذا الدور، فهي تعيش على أصحابها، وفيهم أصحاب الجاه العريض والثروة الطائلة، وهي تبحث في السياسة والعلم والأدب والاجتماع وغير ذلك، وفيها من الكتاب من أصحاب مذهبها من انتهت إليهم الرياسة في صناعة القلم؛ مما اضطر غيرها إلى متابعتها فاختارت هذه الدكتور منصور فهمي، وغيرها المازني، وغيرها العقاد، وخصصت بعضها صفحة في الأسبوع للأدب، وأخرى للألعاب الرياضية، وأخرى لغير ذلك. فنهضت الصحافة بأولئك الزعماء وهؤلاء الكتاب إلى مستوى راق تتراجع دونه سوابق الهمم ... كان الكاتب الواحد يتولى بنفسه كتابة الجريدة من أولها إلى آخرها، فيضطر إلى السرعة ويرضى بما يجيء لا بما يجب، وإذا تولاه الفتور أو أخذه الإعياء شغل القسم الأكبر من جريدته بفضول القول ومستهجن البحث، فصار اليوم لأكثر الجرائد كتاب عديدون، قد لا يصيب الواحد منهم في الأسبوع غير مقالة واحدة يتبسط فيها ما شاء علمه وأدبه.
وكانت الجريدة الواحدة لا تعنى إلا بالسياسة على غير علم ولا حنكة فتبرم قراءها، فأصبحت اليوم معرضا لشتى الأغراض مما ينفع الناس ويهمهم الاطلاع عليه.
كانت أكبر جريدة قبل اليوم ذات أربع صفحات يشغل القسم الأكبر منها الإعلانات، فأصبحت اليوم ذات ثماني صفحات كبيرة لا تشغل الإعلانات منها قسما كبيرا.
وأما القراء فقد كانوا قبل اليوم يكتفون من قراءة الجريدة بإمرار النظر، ولا يقرءون شيئا إلا أدركهم الضجر، فصاروا اليوم يراقبون وقتها مراقبة المشوق المستهام، ولا يقرءونها إلا بتدبر واهتمام، ولو كانت سياستها على غير مذهبهم، ولعل الناس لا يقرءون اليوم غير الجرائد.
Unknown page