Mutalacat Fi Lugha Wa Adab
مطالعات في اللغة والأدب
Genres
ترى في كتاب الكامل صرفا ونحوا ولغة وشعرا وأخبارا، وما تراه في كتاب الكامل تراه في غيره من دواوين الأدب التي أشار إليها ابن خلدون مع اختلاف قليل فيما يروونه. ولكن كتاب الكامل وأشباهه من الكتب القديمة ليست من أمهات الكتب في الصرف والنحو واللغة والشعر والأخبار، وإنما هي تعاليق على هذه الأبواب كلها، قد تستفيد منها ولكنك لا تكتفي بها ... وكان الأولى أن يكون كل نوع منها حواشي على كتبه الخاصة به، أي أن تضم الأبحاث الصرفية إلى كتب الصرف، والأبحاث النحوية إلى كتب النحو، والأبحاث اللغوية إلى كتب اللغة، وأن يرد كل شعر إلى ديوان قائله، وأن تضم الأخبار إلى كتب الأخبار إذا كانت في هذه الحواشي والتعاليق استدراكات مفيدة خلت منها أمهات كتبها، وإلا فإن هذه الأبحاث المقتضبة غير المستوفاة قليلة الفائدة، فإنك إذا قرأت كتاب الكامل من أوله إلى آخره فلا تخرج منه صرفيا ولا نحويا ولا لغويا ولا يقضي حاجتك كلها ما يرويه من الشعر وما يقصه من الأخبار، ولا بد لك في استيفاء حاجتك من ذلك كله أن ترجع إلى كتبه الخاصة به.
ومن يقرأ صحفنا الراقية وبعض ما يظهر بين آن وآخر من الكتب ير أنها أشبه بكتاب الكامل من حيث الأسلوب فهي ليست إلا تعاليق في كل فن وعلم ومطلب، قد تستفيد منها ولكنك لا تجد حاجتك كلها فيها، تبحث في الأدب والعلم والفلسفة والاقتصاد وغير ذلك ولكنها كلها أبحاث مقتضبة غير مستوفاة ولا مشبعة، وقل بين كتابنا - مهما أحاط بموضوعه - من يستطيع أن يفرغ كل ما يمكن أن يعلم عن ذلك الموضوع في مقاله ... وما رأي كتابنا وأدبائنا لو كلفوا أن يجعلوا من مقالاتهم ورسائلهم التي ينشرونها في الصحف أو يجمعونها في كتاب برأسه محاضرات وأباحوا للسائلين أن يسألوا، أفلا يضيقون ذرعا بما يتوارد عليهم من السؤالات والاستيضاحات؟ أو لا يضطرون أن يتوسعوا في البحث بما يكون توطئة له أو استدراكا عليه أو تعمقا فيه؟ مما لا تحسب معه رسائلهم المنشورة وكتبهم المجموعة إلا شيئا يسيرا لا يغني القارئ كثيرا؛ بل قد يشوش عليه الأمر ويستدرجه إلى اعتياد الإلمام بكل موضوع والاكتفاء منه بنتف يتناولها بإمرار النظر ... وما قولهم لو أرادوا أن يضعوا كتابا برأسه في كل موضوع من الموضوعات التي يتعرضون لها في الصحف، أفلا يرون أنفسهم أنهم لا يكتفون بما كتبوا؟ أو لا يجدون أن ما كتبوه ليس إلا شيئا يسيرا مما يجب أن يكتب؟ وأن هذه الفصول التي يكتبونها قد لا يجدون لها محلا مخصوصا في كتبهم؛ لأنها ليست فصولا قائمة بنفسها.
وقد رأينا من كتابنا من يعتذر عن اضطراره إلى الإيجاز أو الإجمال أو الاقتضاب، واكتفائه بالإلماع وسكوته عن شيء كثير مما كان يجب أن يقال، بأن الصحف لا تحتمل التعمق والإشباع والإحاطة وإرضاء الكاتب والقارئ، وأنه حسبه مما يكتب أن يسرك ويبعث في نفسك الشوق إلى طلب المزيد ... ولكن إنما يجوز ذلك إذا كان هناك كتب يرجع إليها في اللغة العربية.
نحن - معشر القراء - في احتياج إما إلى كتب في هذه الأبحاث، وإما إلى عناية من الكتاب في إفراغ كل ما يعلمونه في مقالة برأسها، أو في سلسلة مقالات تجمع أشتات ذلك الموضوع وتحيط بأصوله وفروعه ولا تترك حاجة في نفس الكاتب والقارئ. ولعل الفرق بين كتاب الكامل وما نقرؤه في صحفنا وكتبنا اليوم أن لأبحاث كتاب الكامل أمهات يرجع إليها، فإذا شوقك إلى الاستزادة وجدت من الكتب ما يقضي حاجتك، وأما ما يكتبه كتابنا وأدباؤنا فلا مرجع له في اللغة العربية، قد تسر بما يكتبون، وتتشوق إلى الاستزادة، فلا هم يزيدونك ولا كتاب يحيلونك عليه.
لغة الجرائد1
مع انتشار صناعة القلم، وإحسان الكثيرين من كتابنا الألباء ملكة اللغة، وإتقانهم علوم اللسان، لا نزال نرى حتى في كلام الراسخين في اللغة والإنشاء شذوذا عن القياس أو السماع في ألفاظ اللغة وأحكامها وتعلقا بأساليب وتراكيب لا يحكمها طبع، ولا يعينها ذوق، ولا تلائم الحياة، ولا تنطبق على ما تقتضيه الحالة، مما تدعو معه الحاجة إلى أن يكون هناك من الجهابذة المحققين من يتفرغ لإصلاح الخطأ، والإهابة بالكتاب إلى اتباع المنهج السديد ... فإن الاستمرار على ذلك والتهاون به مما يفسد اللغة ويذهب برونقها.
فهل لجريدة السياسة الغراء أن تعنى بسد هذه الحاجة ورأيها موفق وهمتها عالية. •••
ولعل القارئ الكريم يذكر أن علامتنا المرحوم الشيخ إبرهيم اليازجي صاحب مجلة «الضياء» كان أول من تصدى للتنبيه على الغلط، فأنشأ في ذلك الفصول الطوال في مجلته في لغة الجرائد، وفصولا أخرى في أغلاط العرب وأغلاط المولدين؛ مما يجدر بكل أديب الرجوع إليه والاستبصار به. وقد مات - رحمه الله - وفي نفسه حزازات من لغة الجرائد، كما مات قبله الفراء وفي نفسه شيء من «حتى». وقد حاول المجمع العلمي في دمشق في المدة الأخيرة أن يخلفه فلم يزد على تكرار ما قاله، وكان الأولى به أن يعيد نشر مقالات شيخنا اليازجي ويكفي نفسه مئونة هذا العناء.
ومن العجب أن ترى الأغلاط التي نبه عليها لا تزال متفشية إلى اليوم. •••
وهنا أتطفل على القارئ الكريم بإيراد شيء - على سبيل المثال - من تلك الأغلاط التي لا يخلو منها كتاب أو جريدة، وبذكر بعض تلك التراكيب والأساليب التي أرى أن الأجدر بنا أن نتجافاها، ولا سيما ونحن ندعي أن اللغة العربية لغتنا، وأننا نزلنا منها منزلة أبنائها، وأترك التبسط في ذلك كله إلى أربابه.
Unknown page