[مقدمة التأليف]
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الملك العظيم العلي الكبير، الغني اللطيف الخبير، المنفرد بالعز والبقاء، والإرادة والتدبير، الحي العليم الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تبارك الذي بيده الملك، وهو على كل شيء قدير، أحمده حمد عبد معترف بالعجز والتقصير، وأشكره على ما أعان عليه على قصد ويسر من عسير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مشير، ولا ظهير له ولا وزير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله البشير النذير السراج المنير، المبعوث إلى كافة الخلق من غني وفقير، ومأمور وأمير، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه صلاة يفوز قائلها من الله بمغفرة وأجر كبير، وينجو بها في الآخرة من عذاب السعير، وحسبنا الله ونعم الوكيل فنعم المولى ونعم النصير.
أمّا بعد: فقد رأيت جماعة من ذوي الهمم، جمعوا أشياء كثيرة من الآداب والمواعظ والحكم، وبسطوا مجلدات في التواريخ والنوادر، والأخبار، والحكايات، واللطائف، ورقائق الأشعار، وألفوا في ذلك كتبا كثيرة، وتفرد كل منها بفرائد فوائد لم تكن في غيره من الكتب محصورة، فاستخرت الله تعالى وجمعت من جموعها هذا المجموع اللطيف، وجعلته مشتملا على كل فن ظريف، (وسميته المستطرف، في كل فن مستظرف) واستدللت فيه بآيات كثيرة من القرآن العظيم. وأحاديث صحيحة من أحاديث النبي الكريم، وطرزته بحكايات حسنة عن الصالحين الأخيار، ونقلت فيه كثيرا مما أودعه الزمخشري في كتابه «ربيع الأبرار» وكثيرا مما نقله ابن عبد ربه في كتابه «العقد الفريد» ورجوت أن يجد مطالعه فيه كل ما يقصد ويريد، وجمعت فيه لطائف وظرائف عديدة، من منتخبات الكتب النفيسة المفيدة، وأودعته من الأحاديث النبوية، والأمثال الشعرية، والألفاظ اللغوية، والحكايات الجدية، والنوادر الهزلية، ومن الغرائب والدقائق، والأشعار والرقائق، ما تشنف بذكره الأسماع وتقر برؤيته العيون، وينشرح بمطالعته كل قلب محزون (شعر) .
من كلّ معنى يكاد الميت يفهمه ... حسنا ويعشقه القرطاس والقلم
وجعلته يشتمل على أربعة وثمانين بابا من أحسن الفنون، متوجة بألفاظ كأنها الدر المكنون، كما قال بعضهم شعرا في المعنى:
ففي كل باب منه درّ مؤلف ... كنظم عقود زيّنتها الجواهر
فإن نظم العقد الذي فيه جوهر على غير تأليف فما الدرّ فاخر وضمنته كل لطيفة، ونظمته بكل ظريفة، وقرنت الأصول فيه بالفصول، ورجوت أن يتيسر لي ما رمته من الوصول. وجعلت أبوابه مقدمة، وفصلتها في مواضعها مرتبة منظمة، ليقصد الطالب إلى كل باب منها عند الاحتياج إليه، ويعرف مكانه بالاستدلال عليه، فيجد كل معنى في بابه إن شاء الله تعالى والله المسؤول في تيسير المطلوب، وأن يلهم الناظر فيه ستر ما يراه من خلل وعيوب، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وهذه فهرست الكتاب والله سبحانه المهون للصعاب.
(الباب الأول) في مباني الإسلام: وفيه خمسة فصول، (الباب الثاني) في العقل والذكاء والحمق والذم وغير ذلك. (الباب الثالث) في القرآن العظيم وفضله وحرمته وما أعد الله تعالى لقارئه من الثواب العظيم، والأجر الجسيم. (الباب الرابع) في العلم والأدب وفضل العالم والمتعلم. (الباب الخامس) في الآداب والحكم وما أشبه ذلك. (الباب السادس) في الأمثال السائرة وفيه فصول.
(الباب السابع) في البيان والبلاغة والفصاحة، وذكر الفصحاء من الرجال والنساء، وفيه فصول. (الباب الثامن) في الأجوبة المسكتة والمستحسنة، ورشقات اللسان وما جرى مجرى ذلك. (الباب التاسع) في ذكر الخطب والخطباء، والشعراء، وسرقاتهم، وكبوات الجياد،
1 / 7