181

Mustasfa

المستصفى

Investigator

محمد عبد السلام عبد الشافي

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٣هـ - ١٩٩٣م

وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [الزخرف: ٣] وَ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٥] ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ [إبراهيم: ٤] وَلَوْ قَالَ: أَطْعِمُوا الْعُلَمَاءَ وَأَرَادَ الْفُقَرَاءَ لَمْ يَكُنْ هَذَا بِلِسَانِهِمْ، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ الْمَنْقُولُ عَرَبِيًّا، فَكَذَلِكَ إذَا نُقِلَ اللَّفْظُ عَنْ مَوْضُوعِهِ إلَى غَيْرِ مَوْضُوعِهِ أَوْ جُعِلَ عِبَارَةً عَنْ بَعْضِ مَوْضُوعِهِ أَوْ مُتَنَاوِلًا لِمَوْضُوعِهِ وَغَيْرِ مَوْضُوعِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ.
الثَّانِي: أَنَّ الشَّارِعَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَلَزِمَهُ تَعْرِيفُ الْأُمَّةِ بِالتَّوْقِيفِ نَقْلُ تِلْكَ الْأَسَامِي، فَإِنَّهُ إذَا خَاطَبَهُمْ بِلُغَتِهِمْ لَمْ يَفْهَمُوا إلَّا مَوْضُوعَهَا، وَلَوْ وَرَدَ فِيهِ تَوْقِيفٌ لَكَانَ مُتَوَاتِرًا فَإِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ بِالْآحَادِ، احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] وَأَرَادَ بِهِ الصَّلَاةَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ «وَقَالَ ﷺ: نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» وَأَرَادَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ خِلَافُ اللُّغَةِ. قُلْنَا: أَرَادَ بِالْإِيمَانِ التَّصْدِيقَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِبْلَةِ وَأَرَادَ بِالْمُصَلِّينَ الْمُصَدِّقِينَ بِالصَّلَاةِ، وَسَمَّى التَّصْدِيقَ بِالصَّلَاةِ صَلَاةً عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ وَعَادَةُ الْعَرَبِ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَوْعًا مِنْ التَّعَلُّقِ وَالتَّجَوُّزِ مِنْ نَفْسِ اللُّغَةِ. احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ ﷺ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَابًا أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ»، وَتَسْمِيَةُ الْإِمَاطَةِ إيمَانًا خِلَافُ الْوَضْعِ.
قُلْنَا: هَذَا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ مِثْلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَإِنْ ثَبَتَتْ فَهِيَ دَلَالَةُ الْإِيمَانِ فَيُتَجَوَّزُ بِتَسْمِيَتِهِ إيمَانًا. احْتَجُّوا بِأَنَّ الشَّرْعَ وَضَعَ عِبَادَاتٍ لَمْ تَكُنْ مَعْهُودَةً فَافْتَقَرَتْ إلَى أَسَامٍ وَكَانَ اسْتِعَارَتُهَا مِنْ اللُّغَةِ أَقْرَبَ مِنْ نَقْلِهَا مِنْ لُغَةٍ أُخْرَى أَوْ إبْدَاعِ أَسَامٍ لَهَا. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ حَدَثَ فِي الشَّرِيعَةِ عِبَادَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا اسْمٌ فِي اللُّغَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَالصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ لَيْسَتْ عِبَارَةً عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا الْحَجُّ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ. قُلْنَا عَنْهُ جَوَابَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ الصَّلَاةُ فِي الشَّرْعِ أَيْضًا عِبَارَةً عَنْهُ بَلْ الصَّلَاةُ عِبَارَةٌ عَنْ الدُّعَاءِ كَمَا فِي اللُّغَةِ، وَالْحَجُّ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَصْدِ، وَالصَّوْمُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِمْسَاكِ، وَالزَّكَاةُ عِبَارَةٌ عَنْ النُّمُوِّ؛ لَكِنَّ الشَّرْعَ شَرَطَ فِي إجْزَاءِ هَذِهِ الْأُمُورِ أُمُورًا أُخَرَ تَنْضَمُّ إلَيْهَا، فَشَرَطَ فِي الِاعْتِدَادِ بِالدُّعَاءِ الْوَاجِبِ انْضِمَامَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَيْهِ، وَفِي قَصْدِ الْبَيْتِ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ، وَالِاسْمُ غَيْرُ مُتَنَاوِلٍ لَهُ لَكِنَّهُ شَرَطَ الِاعْتِدَادَ بِمَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، فَالشَّرْعُ تَصَرَّفَ بِوَضْعِ الشَّرْطِ لَا بِتَغَيُّرِ الْوَضْعِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: سُمِّيَتْ جَمِيعُ الْأَفْعَالِ صَلَاةً لِكَوْنِهَا مُتَّبِعًا بِهَا فِعْلُ الْإِمَامِ، فَإِنَّ التَّالِيَ لِلسَّابِقِ فِي الْخَيْلِ يُسَمَّى مُصَلِّيًا لِكَوْنِهِ مُتَّبِعًا، هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي ﵀ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إنْكَارِ تَصَرُّفِ الشَّرْعِ فِي هَذِهِ الْأَسَامِي، وَلَا سَبِيلَ إلَى دَعْوَى كَوْنِهَا مَنْقُولَةً عَنْ اللُّغَةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا ظَنَّهُ قَوْمٌ، وَلَكِنَّ عُرْفَ اللُّغَةِ تَصَرَّفَ فِي الْأَسَامِي مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: التَّخْصِيصُ بِبَعْضِ الْمُسَمَّيَاتِ كَمَا فِي الدَّابَّةِ فَتَصَرُّفُ الشَّرْعِ فِي الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالْإِيمَانِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ إذْ لِلشَّرْعِ عُرْفٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ كَمَا لِلْعَرَبِ
وَالثَّانِي: فِي إطْلَاقِهِمْ الِاسْمَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الشَّيْءُ وَيَتَّصِلُ بِهِ، كَتَسْمِيَتِهِمْ الْخَمْرَ مُحَرَّمَةً وَالْمُحَرَّمُ شُرْبُهَا وَالْأُمَّ مُحَرَّمَةً وَالْمُحَرَّمُ وَطْؤُهَا فَتَصَرُّفُهُ فِي الصَّلَاةِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ شَرَطَهُ الشَّرْعُ فِي تَمَامِ الصَّلَاةِ فَشَمَلَهُ الِاسْمُ بِعُرْفِ اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ، إذْ إنْكَارُ كَوْنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ رُكْنَ الصَّلَاةِ وَمِنْ نَفْسِهَا بَعِيدٌ.
فَتَسْلِيمُ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّصَرُّفِ بِتَعَارُفِ الِاسْتِعْمَالِ لِلشَّرْعِ أَهْوَنُ مِنْ

1 / 183