57

Musiqa Wa Ghuna

الموسيقى والغناء عند العرب

Genres

غزال له مقلة يصيب بها من يشا

وشى بيننا حاسد سيسأل عما وشى

ولو شاء أن يرتشي على الوصل روحي ارتشى

ومغن محسن يسايره فيها، فلما بلغ هذا المبلغ انقطع أسلم عن جميع مجالس الطلب، ولزم بيته والجلوس على بابه، وكان أحمد بن كليب لا شغل له إلا المرور على باب دار أسلم سايرا مقبلا نهاره كله ... فانقطع أسلم عن الجلوس على باب داره نهارا، فإذا صلى المغرب واختلط الظلام خرج مستروحا وجلس على باب داره، فعيل صبر أحمد بن كليب فتحيل في بعض الليالي ولبس جبة من جباب أهل البادية، واعتم بمثل عمايمهم، وأخذ بإحدى يديه دجاجا، وبالأخرى قفصا فيه بيض، وتحين جلوس أسلم عند اختلاط الظلام على بابه، فتقدم إليه وقبل يده وقال: يأمر مولاي بأخذ هذا، فقال له أسلم، ومن أنت؟ فقال: صاحبك في الضيعة الفلانية، وكان قد تعرف أسماء ضياعه وأصحابه فيها، فأمر أسلم بأخذ ذلك منه، ثم جعل أسلم يسأله عن الضيعة، فلما جاوبه أنكر الكلام، وتأمله فعرفه، فقال له: يا أخي، إلى هذا بلغت بنفسك وتبعتني إلى هنا! أما كفاك انقطاعي عن مجالسي ... وعن القعود على بابي نهارا حتى قطعت علي جميع مالي؟!

وفي (ص224) من «بغية الملتمس» ترجمة لزرياب في «من اسمه أسلم» قال: هو أسلم بن عبد العزيز بن هاشم أبو الحسن، له أدب وشعر ، من أهل بيت علم وجلالة، وله كتاب معروف في أغاني «زرياب»، وكان زرياب عند الملوك بالأندلس كالموصلي وغيره من المشهورين، برز في صناعته وتقدم فيها، ونفذ بها، وله طرائق تنسب إليه، وأسلم هذا هو الذي ذكرنا قصته مع أحمد بن كليب، وكنيته «أبو الجعد»، وقد ولي قضاء الجماعة بالأندلس لعبد الرحمن الناصر، وكانت له رحلة روى فيها عن يونس بن عبد الأعلى وأبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى، وأبي محمد الربيع بن سليمان، وسمع محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وغيره، وله سماع بالأندلس من تقي بن مخلد ومحمد بن عبد الرحمن الخشني، وقاسم بن محمد ونحوهم، وكان جليلا في القضاء ثقة من الرواة، يميل إلى مذهب الشافعي، ومات في يوم السبت، وقيل يوم الأربعاء لتسع بقين من رجب سنة 939ه، وهو أخو أبي خالد هاشم بن عبد العزيز، وروى عنه جماعة، منهم خالد بن سعد.

وفي «الأغاني» (ج17 ص123): من المغنين طبقة الخيناكرين، والخنكرة هي: الهنكرة، ومنها: فلان يهنكر في الفرح.

حدثني عبد الله بن العباس الربيعي قال: كان سبب دخولي في الغناء، وتعلمي إياه أنى كنت أهوى جارية لعمتي رقية بنت الفضل بن الربيع، فكنت لا أقدر على ملازمتها والجلوس معها خوفا من أن يظهر ما لها عندي؛ فيكون ذلك سبب منعي منها، فأظهرت لعمتي أنني أشتهي أن أتعلم الغناء ويكون ذلك في ستر عن جدي، وكان جدي وعمتي في حال من الرقة علي والمحبة لي لا نهاية وراءها؛ لأن أبي توفي في حياة جدي الفضل، فقالت عمتي: يا بني، وما دعاك إلى ذلك؟ فقلت: شهوة غلبت على قلبي، إن منعت منها مت غما، وكان لي في الغناء طبع قوي، فقالت لي: أنت أعلم وما تختاره، والله ما أحب منعك من شيء، وإني لكارهة أن تحذق ذلك وتسهر به فتسقط ويفتضح أبوك وجدك.

فقلت: لا تخافي ذلك، فإنما آخذ منه مقدار ما ألهو به، ولازمت الجارية لمحبتي إياها بعلة الغناء، فكنت آخذ عنها وعن صواحباتها، حتى تقدمت الجماعة حذقا، وأقررن لي بذلك، وبلغت ما كنت أريد من أمر الجارية، وصرت ألازم مجلس جدي، فكان يسر بذلك، ويظنه تقربا مني إليه، وإنما كان وجدي فيه أخذ الغناء، فلم يكن يمر لإسحاق ولا لابن جامع، ولا للزبير بن دحمان ولا لغيره صوت إلا أخذته، فكنت سريع الأخذ، وإنما كنت أسمعه مرتين أو ثلاثا، وقد صح لي وأحسست من نفسي قوة في الصناعة فصنعت أول صوت صنعته في شعر العرجي:

أماطت كساء الخز عن حر وجهها

وأدنت على الخدين بردا مهلهلا

Unknown page