29
في ذلك اليوم، لم يكن لدى أكيمي متسع لكي ترد علي بكلمات مزعجة بعد أن سمعت نبرتي المهيبة المقنعة. قلت لها: «ستأتي مريضة الليلة بعد الساعة السادسة، وسيكون ذلك خارج نطاق مواعيد العمل المقررة، فإن كان لديك نية للعمل بعد أوقات العمل المحددة، فسأعطي لك أجر العمل الزائد، وإن رغبت في العودة يمكنك مغادرة العيادة في موعد العودة المحدد في السادسة، وبالمناسبة فإن اسم المريضة: ريكو يوميكاوا.»
عندما تكلمت مع أكيمي بوضوح بتلك الطريقة، تصرفت بتعقل على غير عادتها، ويبدو أنها على الأقل رغبت في تأمين إشباع فضولها مع الحصول على أجرة العمل الإضافي، فقبلت البقاء وهي تقول للتأكيد: «إذن ستستخدم غرفة التحليل النفسي رقم واحد، أليس كذلك؟»
المعتاد أنه لا يمكنها أن تعرف الغرفة التي استخدمها المريض في جلسة العلاج السابق بدون النظر إلى ملفه في العيادة، ومع ذلك كانت أكيمي تحفظ ذلك وقالته على الفور في لحظة، وهذا يؤكد على اهتمامها غير المعتاد بريكو.
عندما جاءت الساعة السادسة بعد الظهر جعلت مساعدي كوداما يعود لبيته، وجلسنا أنا وأكيمي متقابلين نتناول وجبة العشاء المكونة من الأرز وسمك الثعابين المشوي. عندما أصبحنا وحيدين في الليل تغلغل هدوء المبنى في أجسادنا. - «أنا لن أقول شيئا.»
قالت أكيمي ذلك وهي تحدق في وجهي طويلا، وقد أعادت في غفلة من الزمن طلاء أحمر الشفاه بعد أن خف رونقه أثناء العمل فكانت شفتاها تلمعان بزيت سمك الثعابين. ثم أكملت: «لأنك على ما يبدو الليلة قررت قرارا حاسما؛ أنا أعرف ذلك.»
عندما يقال لي ذلك فمن صفاتي أن أتحدث بصدق. - «حقا هو كذلك. فأنا أعتقد أن اليوم هو اليوم الحاسم أخيرا ، وفرصة للمواجهة بيني وبينها. إن نقطة ضعف التحليل النفسي أنه إذا فقد المريض الرغبة الذاتية في العلاج، فلا يمكن مطاردته وإجباره عليه، وتلك هي النقطة التي اتضحت لي تماما من مكالمة إغامي اليوم.
إنه أمر يرثى له ولكن إغامي حاليا يستغل بواسطة ريكو يوميكاوا. إنه يعتقد - بسبب غرور الرجولة الذي لا يستطيع تفاديه - أنها لجأت إليه في النهاية لإنقاذها بعد أن كسر سيفها ونفدت سهامها. ولكنني شعرت أنني أسمعها تصرخ خلف صوته أثناء المكالمة؛ كأنها تصرخ من خلال صوته بما يلي: «أريد العودة إلى عيادة الدكتور! أريد العودة مرة ثانية إلى غرفة التحليل النفسي. إنها هي حقا موطني الأصلي.»
إن جاز التعبير، فلقد استخدمته جسرا لكي تعود إلى هنا. إنها لم تكن تستطيع، مهما فعلت، أن تعود إلى هنا بمفردها. وثمة ضرورة في أن يؤدي الشاب إغامي دور إحضارها إلى هنا.» - «ولكنه أمر غريب. لقد استطاعت أن تسمع الموسيقى عددا من المرات حتى وإن كان ذلك في وضع غير طبيعي، أليس كذلك؟ ولكن لم ظهرت أعراض الهيستيريا أشد وأعنف عما قبل؟» - «لا بد من سماع ذلك على لسانها هي شخصيا. ولكن لدي توقع عن ذلك. وهو أنه ربما يكون ذلك جزءا من «الجسر». بالتأكيد أنها تعاني وتقاسي تلك الأعراض، ولكن أليست هذه الأعراض وسيلة مؤقتة اخترعها عقلها الباطن من أجل العودة إلى هذه العيادة أو إلى غرفة التحليل النفسي التي تمثل لها الملاذ الآمن الوحيد؟ إن الهيستيريا مرض يثير العجب. يعرف مرض الهيستيريا بأنه مرض يستطيع تقليد أعراض مرض آخر، بل لدرجة أن الهيستيريا تستطيع أن تقلد أعراض الهيستيريا نفسها. فضلا على أن ريكو لديها معلومات متنوعة عن علم التحليل النفسي.» ... أثناء حوارنا نحن الاثنين معا، جرى بينا شعور تشاركي لم أشعر به من قبل؛ يشبه الشعور المتبادل بين فردي الحراسة الليلية في مكان المراقبة على شاطئ بحر في وقت صدور إنذار مجيء الإعصار وهما يسمعان هزيم الريح خارج الأبواب بقوة تدريجية. يحيط بهما ليل المبنى العملاق الذي تبقى فيه فقط صخب المطاعم في الطابق الأول تحت الأرض بعد أن أطفئت الأنوار في جميع المكاتب، وعاد الموظفون جميعا إلى بيوتهم. ربما تكون إضاءة هذه الغرفة فقط هي الوحيدة المتبقية دون أن يبتلعها الظلام في هذا المبنى الذي يفتح فمه باتساع كأنه سن ذهبية.
الساعة السابعة ليلا.
Unknown page