Mushkilat Culum Insaniyya
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Genres
B. Russell (1872-1970) عميد عمداء التفكير العلمي والرياضي في النصف الأول من القرن العشرين، أول انتصارات المنهج التجريبي كانت في الفلك وأعظمها في العلوم الذرية، وإن كانت هذه العلوم، وتلك تستلزم الرياضيات، بحيث لا تقل أهمية الرياضيات فيها عن أهمية التجريب، فإن ثمة علوما أخرى ينفرد التجريب بقصب السبق فيها، وأهمها علم الحياة، ويعطينا دارون مثالا نموذجيا على الاستعانة بالمنهج التجريبي الخالص بغير حاجة إلى الرياضيات،
40
كما هو حال معظم فروع البيولوجيا. ومن الناحية الأخرى نجد في الوقت نفسه فروعا في علم الاقتصاد، وفي علم السكان تعطي استدلالات رياضية وتنبؤات دقيقة، بل إن علم السكان وهو علم إنساني خالص - فرع من فروع الجغرافيا - به أجزاء متميزة بوجود نظرية رياضية، مصوغة ومشابهة منهجيا للأجزاء الدقيقة من الفيزياء. وقد تبنى ماشلوب هذه القضية في بحثه «هل العلوم الإنسانية حقا في منزلة أدنى»؛ حيث يرفض الدقة بمعنى القياس والقدرة على التنبؤ بنجاح بأحداث مستقبلية، أو التحول إلى لغة رياضية، موضحا أن المعنى الصحيح للدقة هو إمكان بناء نسق من النماذج التي تحتوي على أبنية مجردة من المتغيرات، ويمكن منها استنباط كل القضايا الخاصة بارتباطات معينة، ويعقب ماشلوب بأن أمثال هذه الأنسقة لا توجد في كثير من العلوم الطبيعية، هي مواضع جمة من العلوم الحيوية، بينما توجد في موضع واحد على الأقل من العلوم الإنسانية، هو علم الاقتصاد. والخلاصة أن صفة الدقة الرياضية لا يمكن نسبتها إلى كل العلوم الطبيعية، كما لا يمكن رفضها بالنسبة لكل العلوم الإنسانية، وتبقى الإشارة إلى أن رفض معيار الدقة الرياضية قد تطور وتنامى في السنوات الأخيرة، حتى يحمل الآن مارجوليس لواء الدعوى إلى أن مجرد التعيين الصوري لقيم مماثلة الصدق
Truth-like Values
مسألة نسبية، ملائمة فقط لنطاقات معينة من البحث دون سواها!
41
إن الذي يجعل العلم علما ليس لغته أو نتائجه، بل أهدافه
42
وأسلوب تحقيقها الملتزم بالمواجهة مع الواقع التجريبي، والمهم أنه لكي تتجاوز العلوم الإنسانية تخلفها النسبي على الطريق العلمي، عليها أن تضع نصب أعينها هدفا محددا، وهو الوصول إلى تفسيرات أعلى وأكفأ مما هو متاح لها الآن. وكما أوضحنا آنفا، التفسير العلمي في كل حال يتخذ دائما الشكل أو النموذج الاستنباطي، وصحيح أن الرياضيات أكمل وأوضح أشكال الاستنباط، إلا أنها ليست الشكل الوحيد، والاستنباط قد يكون منطقيا، وعلى درجة مقبولة من الضبط والكفاءة. المهم أن يكون ثمة المقدمة الاستنباطية (قوانين عامة وشروط مبدئية) لنستنبط منها نتائج. الغاية هي التفسير الذي هو استنباطي وليس من الضروري أن ينصب في اللغة الرياضية، إذا ما أبدت طبيعة الظواهر الإنسانية بصفة عامة، وفي هذه المرحلة من تاريخ العلم بصفة خاصة، استعصاءها على هذه اللغة. مرة أخرى وأخيرة، التفسير هو الغاية والرياضة مجرد وسيلة يمكن طرحها جانبا، كما هو حادث في الجيولوجيا والعلوم الحيوية مثلا. والحق أن التفسير لا يعدو أن يكون المصطلح الخاص بالاستدلال العلمي، فهو مجموعة القضايا التي يلزم عنها، وبالضرورة القضية المراد تفسيرها.
43
Unknown page