Mushkilat Culum Insaniyya
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Genres
J.S. Mill (1806-1873) المتحدث الرسمي باسم العلم الكلاسيكي الحتمي العلي، في آخر مراحل هيله وهيلمانه. فقد أخلص في دفاعه المنطقي المجيد - لكن الاستقرائي السطحي البالي - لتأكيد إمكانية العلوم الإنسانية. فتعرض في الجزء السادس من كتابه الأكبر «نسق المنطق
System Of Logic » «لمنطق العلوم الاجتماعية أو الإنسانية
On The Logic Of Social Science » حيث دعا إلى مضاعفة الجهد لتأسيسها تماما كالعلوم الطبيعية. هذه الدعوة التي لاقت أقوى استجابة مع أوجست كونت، صديق ميل الشخصي ورفيقه الفكري،
14
الذي أنجز مشروعه العلمي العظيم على أساس أن المعرفة بالمجتمع تاج المعرفة العلمية. •••
حتى إذا دلفنا إلى قلب القرن العشرين، وجدنا العلوم الإنسانية، وقد قطعت شوطا طويلا، وبذلت جهودا مضنية وناجحة إلى حد كبير في تحديد موضوعاتها، وتعريف ظواهرها، وصياغة مفاهيمها ومصطلحاتها. وقد أرست مناهجها وأساليبها الإجرائية كالتحليلات الرياضية مثلا الاقتصادية، والمناهج الإحصائية، والقياسات العددية، والوسائل الإمبيريقية كالاختبارات والمقاييس السيكوميترية، والتجربة المعلمية والتجربة الميدانية، والعينة التجريبية، والعينة الضابطة، والاستبار، وقوائم الاستبيان، وكشف الأسئلة، واستمارة المقابلة والمشاهدة بالمشاركة، فضلا عن الأساليب الدقيقة لتحليل وتنظيم واستخلاص ما تفيد به المعطيات ... إلى آخر ما يدرب عليه الباحثون - تبعا لتخصصاتهم المختلفة - من منهجيات إجرائية دقيقة أفضت بالعلوم الإنسانية إلى محصلات جليلة الشأن، ولا تزال تفضي، خصوصا بعد ظهور الكمبيوتر الذي يسر السيطرة على جماع هائل من المعطيات الإمبيريقية.
ومنذ الربع الثاني من القرن العشرين، كان قد اتضح تماما أن الدراسات الإنسانية الإخبارية قد شقت لنفسها طريق «العلم» بالمعنى الدقيق، وقطعت منه شوطا كبيرا، واستقام عودها. وهذا النضج اللافت جعلها في منزلة تؤهلها للمقارنة الصريحة مع العلوم الطبيعية، ليتضح عجزها عن تحقيق ما أحرزته العلوم الطبيعية من تقدم، وبلغ الوعي بهذا التخلف النسبي حدا جعل الفكر الأوروبي آنذاك يسوده ما يعرف باسم أزمة العلوم الإنسانية، والتي قد تصل لحد يجعلها أزمة العلوم الأوروبية إجمالا
15
كما نص عنوان كتاب لهوسرل.
وشهد هذا القرن دعوات تأتت كرد فعل، ومحاولة لتخطي الأزمة. ولعل أبرزها تيار مستقل وقوي من تيارات الفكر المعاصر، ألا وهو فينومينولوجيا أدموند هوسرل
Unknown page