Mushilat Maca Ghuraba

Cabd Rahman Majdi d. 1450 AH
10

Mushilat Maca Ghuraba

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

Genres

10

فالكلمة عند فتجنشتاين تكتسب معناها من استخدامها؛ وهذا يتضمن الدخول في علاقات خاضعة لقواعد مع الدلالات الأخرى في شكل معين من أشكال الحياة. وهذه، كما يمكن أن نقول، هي نسخته مما سيسميه لاكان بالنظام الرمزي. والفارق أن لاكان يبين أن ما يسري على الدلالات يسري على الذوات البشرية أيضا، فالطفل الذي يتخيل أن صورته في المرآة هي التجسيد الملموس لكينونته هو شخص لم يبلغ مرحلة الإدراك البنيوي ولم يستوعب بعد أن الهوية الإنسانية - كالدلالات - مسألة تفاضلية؛ أي أنها مسألة شغل موضع ما في نظام رمزي، نظام من الأدوار والعلاقات التي تكون فيها وظيفة قابلة للاستبدال وليس حيوانا حيا متميزا لا يمكن استبداله؛ فالطفل إذ يسره وهم أنه متسق كليا مع ذاته، سيدرك مع ذلك أنه - كما يعلق فتجنشتاين في كتابه «تحقيقات فلسفية» - لا يوجد افتراض عديم الفائدة بقدر افتراض تطابق الشيء مع نفسه؛ فالطفل الصغير قد سقط فريسة، إن جاز التعبير، لخطأ فلسفي وهو أن ثمة نوعا من اليقين وإمكانية الوصول فيما يتعلق بالكينونة الإنسانية.

لذا فإن إدراك الطفل لذاته في دائرة النظام الخيالي هو إدراك خاطئ في الحقيقة؛ إدراك يمهد للنسخة الأهم نسبيا من الإدراك الخاطئ التي سيمر بها الطفل في النظام الرمزي. وهويته مستلبة «مغتربة» كذلك؛ حيث تخلط الأنا الناظرة - أو الذات - بين كيانها المراوغ وكيان الأنا المنظورة، التي هي شيء محدود في مرآة انعكاسها الذاتي. ومن ثم تستعصي عليها معرفة حقيقة الذات؛ أي - كما أعاد لاكان صياغة كلمات ديكارت بصورة براقة - «أنا أفكر حيث لا أكون، إذن فأنا موجود حيث لا أفكر.» فالطفل سيدرك أن الذات التي تتطابق مع نفسها ليست ذاتا على الإطلاق؛ فالكينونة التي يعتبرها الطفل النرجسي الصغير الذي في طور المرآة ثابتة ومحدودة هي في الحقيقة منقسمة وغير كاملة، وهي مثل عملية الدلالة نفسها يحركها عدم اكتمالها.

إن معارضة النظام الخيالي، الذي يعتمد فيه كلا الطرفين (الطفل والصورة) اعتمادا تكافليا على الآخر، يجب أن تتحقق في النهاية عنوة أو بإدخال طرف ثالث يمكن أن يتوسط بين الطرفين. وهذه في نظر لاكان هي اللحظة الأوديبية؛ فالنظام الخيالي المغلق يجب أن ينفتح أمام الاختلاف والغيرية؛ فالطفل الصغير عليه أن يكسر مرآة إدراكه الخاطئ ليخرج إلى النطاق البين-ذاتي حيث لا يسعه وحده أن يصل إلا لأجزاء صغيرة جدا من الحقيقة. والتحول في نظر هيجل - الذي استمد منه فكر لاكان الكثير - من حالة إلى أخرى له بعد أخلاقي. فالذات يجب فطامها من الوقوع في خطأ اعتقاد نفسها كيانا مستقلا وأن تبدأ بدلا من ذلك في الاعتراف باعتمادها على الآخرين في النطاق البين-ذاتي، وهو مجال يسميه هيجل الروح، ويطلق عليه لاكان الآخر الكبير أو النظام الرمزي. وكما قال لاكان، يتضمن هذا في أكمل صوره «القبول الكامل للذات من الذات الأخرى.»

11

ولم يكن ذلك أحد مثل المعاملة بالمثل لدى البشر التي كان ليحتفظ بها طويلا؛ إذ علينا أن نتوقف عن استمداد صورتنا الذاتية من الآخر كما نفعل في النظام الخيالي، ونستمدها من الآخر الكبير (عالم الاجتماعية ككل) كما نفعل في النظام الرمزي. ويرى هيجل أن أكثر أشكال الحياة الإنسانية بدائية تتضمن انغماسا غير تأملي في نظام اجتماعي مغلق لا يختلف كثيرا عن مفهوم النظام الخيالي عند لاكان. وحين يتجرأ الفرد على التبادلات البين-ذاتية الخاصة بالنظام الرمزي، عندها فقط يصير مدركا لنفسه باعتباره فردا؛ لكن سنرى لاحقا أن هذا الإنجاز في نظر لاكان لا يبعد كثيرا عن الكارثة.

كان هذا التحول في النظم الأنطولوجية بالنسبة للطليعة الثقافية في سبعينيات القرن العشرين تحولا سياسيا أكثر منه أخلاقيا؛ إذ لم يكن الهدف تعزيز الذات البرجوازية من خلال إلقاء الضوء على رضاها عن نفسها، بل إدخالها في أزمة دائمة؛ فالتحول الأول مرتبط بالأيديولوجيا بينما الآخر مسألة تتعلق بممارسة ثقافية ثورية؛ فالأمور التي تجعلنا ما نحن عليه - أي النقص والنظام الواقعي والكبت والخصاء وقانون الأب والقوانين الخفية للتكوين الاجتماعي - تتجاوز التصور تماما، فهي الشروخ والنقاط العمياء في مرآة الوعي، وهي ظاهرة عادة ما يتم تصورها هي ذاتها في سياق المرآة («الانعكاس»، و«التبصر»، و«التأمل»). وكما يقول إيرل شافتسبري: «أي كائن عاقل أو مفكر قادر بطبيعته على رؤية عقله وأفعاله، وامتلاك تصورات لنفسه ومكنوناته الداخلية وهي تمر أمامه باستمرار وتتضح له وتدور في عقله.»

12

فالتأمل الذاتي بهذا المعنى نظام خيالي داخلي على نحو ما؛ أي مسألة تأمل لذاتنا في مرآة عقلنا، ذلك المسرح العقلي الذي نظهر فيه كممثلين أمام نظرتنا المتفرجة كما لو كنا شخصا آخر. إن هذا الانغلاق الذاتي النرجسي نسبيا هو ما رأى اليسار الثقافي أن من الضروري تحطيمه، وأن تصبح الذات الخيالية غير متمركزة، إذا أردنا أن ينكشف أي شيء من المحددات الحقيقية لوجودنا.

وكتب فتجنشتاين في كتابه «تحقيقات فلسفية» يقول: «الصورة تأسرنا، ولا يمكننا الخروج منها؛ لأنها تكمن في لغتنا، واللغة على ما يبدو تكررها لنا بلا هوادة.»

Unknown page