229
وولي الخطبة والإمامة بجامع أبي محمد الحفصي فخطب الخطب البليغة من إنشائه، وقام بأعباء حفظ الشريعة بحسن إفتائه، إذ كان من حفاظ المذهب المالكي أخذًا في تحقيق المناط متضلعًا في أصول المذهب ومدارك الأيمة له عناية بتحرير المستند في الأحكام لا يأخذ فقهًا مسلمًا بدون تحقيق للأصول التي يبنى عليها وكتائبه الفقهية ومراسلاته حجة اليوم عند الفقهاء المالكية محفوظة عندهم.
اختلف في المجلس الشرعي هو والشيخ محمد المحجوب كبير أهل الشورى في نازلة تشعب فيها الخلاف بينهما، وطالت النازلة ولم يقع التسليم فيها فلما كان يوم اجتماع المجلس قال له الشيخ محمد المحجوب كيف ساغ أن تخالفني في مسالة أعم ما جرى فيها من عهد الإمام مالك أعلم من قضى بها منذ ذلك العصر إلى هذا اليوم فقال له الشيخ إسماعيل وإني لأعلم ذلك وأعلم وجه ما قضى به فيها كل قاض إلى هذا اليوم والحق فيها غير ما تحاولونه وحسبك بهذا دليلًا على سعة علمهما ﵄.
ومع هذا كله فإن صاحب الترجمة له في العلوم المعقولة يد طولى مع فصاحة لسانه وحفظه لتاريخ البلاد وحسن محاضرة لا تمل آية الله في الذكاء محب للصالحين حسن الأخلاق عالي الهمة كريم النفس نزيه مستحضر للجواب، مرجع للأحكام والفتاوي حسن القامة أكثر لبسه البياض نظيف الشيب والثياب عفيف لا تأخذه في الحق لومة لائم.
وقد بلغ من العمر أربعًا وثمانين سنة وتوفي بعد الزوال بساعة من يوم الاثنين الخامس عشر من جمادى الأولى سنة ١٢٤٨ ثمان وأربعين ومائتين وألف ودفن من الغد بالزلاج وحضر جنازته الأمير وآل بيته والعلماء عليه رحمة الله ورثاه الشيخ أبو إسحاق إبراهيم الرياحي بقوله: [الطويل]
هل الناس إلا هالك وابن هالكِ ... وعزُّ البقا لله غير مشاركِ
ولو أنه يبقى على الدهر فاضل ... لحقّ لنحرير عليِّ المدارك
كهذا الذي أمسى الثرى متوسدًا ... ونجم الثريا منه تحت أرائك
لقد كان سيفًا في الشريعة صارمًا ... ونورَ ظلام في الجهالة حالك
إذا نشر التحقيق في روض درسه ... فيالك من نشر من المسك صائك
ومهما دعا في موقف الفهم فاركًا ... على غيره جاءت له غير فارك
قضاياه في جيد القضاء قلائدُ ... فتاواه تيجانٌ لمذهب مالك
إذا قال إسماعيل فالكل منصت ... لأجزل معنى من صياغة سابك
مشى ذكره في العالمين كما مشت ... ذكاءُ ولكن ذكره غير دالك
إلى رحمة المولى مضى وهو آمل ... لمقعد صدق عند أكرم مالك
ولما مضى أبكى القلوب توجعًا ... وإن كان ذا وجه من البشر ضاحك
وعم الأسى حتى لساعة دفنه ... بكى المزن وبلًا بالدموع السّوابك
لذاك تأتى أن يقول مؤرخ ... (لعين السما جريٌ على قبر مالك)
١٢٤٨
٣١
؟الشيخ الشاذلي بن المؤدب
هو الشيخ أبو عبد الله محمد الشاذلي بن عمر بن علي المؤدب ابن حسن المغربي الشريف كان جده الشيخ أبو الحسن علي بن حسن المغربي مؤدبًا وتقدم إمامًا بمسجد ابن جيشة بحاضرة تونس وبها توفي سنة ١١٩٦ ست وتسعين ومائة وألف.
ونشأ ولده الشيخ أبو حفص عمر بن المؤدب في خدمة العلم الشريف وصاهر الصفوة الفاضل الشريف الشيخ علي بن أحمد دمام شيخ المغارة الشاذلية وابن شيخها وكان عالمًا فاضلًا. ولما توفي صهره والد زوجته تقدم الشيخ عمر بن المؤدب لمشيخة المغارة سنة ١٢٠٦ ست ومائتين وألف وذلك مبدأ دخولهم لمشيخة المغارة الشاذلية وتقدم أيضًا عوضه إمامًا بجامع باب الجزيرة فزان المغارة والجامع بفصاحته وعلمه وعمله وله مع ذلك دروس يقريها بجامع الزيتونة.

1 / 229