المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد أحمد الله ذي العز الرفيع الشامخ والصلاة على رسوله محمد ذي القدر المنيع الباذخ فهذا حاصل التحقيق في علم الناسخ والمنسوخ وقد بالغت في اختصار١ لفظه لأحث الراغب على حفظه فالتفت أيها الطالب لهذا العلم إليه وأعرض عن جنسه تعويلا عليه ففيه كفاية فإن آثرت زيادة بسط أو اخترت الاستظهار لقوة احتجاج أو ملت إلى إسناد فعليك بالكتاب الذي اختصر هذا منه وهو كتاب عمدة الراسخ٢ والله الموفق.
باب ذكر فصول تكون كالمقدمة لهذا الكتاب:
فصل: أنكرت اليهود جواز النسخ وقالوا هو البداء٣. والفرق بينهما
_________
١ ب: تخصير.
٢ ينظر مؤلفات ابن الجوزي ١٢٤.
٣ ضبطها أبو الفضل إبراهيم في البرهان ٢/٣٠ مرتين بالضم وهو خطأ ظاهر والصواب فتح =
1 / 11
أن النسخ رفع عبادة قد علم الأمر بها من القرآن للتكليف بها غاية ينتهي إليها ثم يرتفع الإيجاب والبداء هو الانتقال عن المأمور به بأمر حادث لا بعلم سابق ولا يمتنع جواز النسخ عقلا لوجهين أحدهما أن للآمر أن يأمر بما شاء والثاني أن النفس إذا مرنت على أمر ألفته فإذا نقلت عنه إلى غيره شق عليها لمكان الاعتياد المألوف فظهر منها بالإذعان والانقياد لطاعة١ الآمر وقد وقع النسخ شرعا لأنه قد ثبت مِنْ دِينِ آدَمَ ﵇ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَوْلادِهِ جَوَازُ نِكَاحِ الأَخَوَاتِ وَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَالْعَمَلِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي شريعة موسى عليه السلام٢.
فصل: والنسخ إنما يقع في الأمر والنهي دون الخبر المحض والاستثناء ليس بنسخ ولا التخصيص وأجاز بعض من لا يعتد بخلافه وقوع النسخ في الخبر المحض وسمى٣ الاستثناء والتخصيص نسخا والفقهاء على خلافه٤.
فصل: وشروط النسخ خمسة أحدهما أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مُتَنَاقِضًا٥ فلا يمكن العمل بهما والثاني أن يكون حكم المنسوخ ثابتا قبل ثبوت حكم الناسخ والثالث أن يكون حكم المنسوخ
_________
= الباء في الصحاح واللسان والتاج "با" وينظر الفرق بين النسخ والبداء فس النحاس ٩ والمغني في أبواب العدل والتوحيد ١٦/٦٥. والملل والنحل ٢/١٦ والنسخ في القرآن الكريم ٢٢ وفتح المنان ٥٠. وينظر معني النسخ في نزهة القلوب ١٩٨ ومقاييس اللغة ٥/٤٢٤ واللسان "نسخ".
١ ب: إلي الطاعة.
٢ يلاحظ أن ابن الجوزي نقل هذا الفصل والذي يليه من كتاب الناسخ والمنسوخ لابن حزم ٣٦٥ - ٣٦٦. وينظر الإحكام في أصول الأحكام ٤٤٥ - ٤٤٨.
٣ في إ وب: يسمي. وما أثبتناه من ابن حزم ٣٦٦.
٤ ينظر افحكام ٤٤٤.
٥ ب: وشروط النسخ خمسة تبائن حكم الناسخ والمنسوخ فلا ...
1 / 12
ثابتا بالشرع لا بالعادة والعرف فإنه إذا ثبت بالعادة لَمْ يَكُنْ رَافِعُهُ نَاسِخًا بَلْ يَكُونُ ابْتِدَاءَ شرع آخر والرابع كون حكم الناسخ مشروعا بطريق النقل كثبوت المنسوخ فأما ما ليس مشروعا بِطَرِيقِ النَّقْلِ فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِلْمَنْقُولِ وَلِهَذَا إِذَا ثَبَتَ حُكْمُ مَنْقُولٍ لَمْ يجز نسخه بإجماع ولا بقياس والخامس كون الطريق الذي ثبت به الناسخ مثل طريق ثبوت المنسوخ أو أقوى منه ولهذا نقول لا يجوز نسخ القرآن بالسنة١.
فصل في فضل هذا العلم:
روى أبو عبد الرحمن السملي٢ أن عليا ﵁ مر بقاض فَقَالَ أَتَعْرِفُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ؟ قَالَ لا قَالَ٣ هلكت وأهلكت وفي لفظ أنه قال من أنت قال أنا أبو يحيى قال بل أنت أبو أعرفوني٤.
فصل: والمنسوخ في القرآن أضرب أحدها ما نسخ رسمه وحكمه وقد كان جماعة من الصحابة يحفظون سورا وآيات فشذت عنهم فأخبرهم النبي ﷺ أنها رفعت الثاني ما نسخ رسمه وبقي حكمه كآية الرجم الثَّالِثُ مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَبَقِيَ رَسْمُهُ وَلَهُ وضعنا هذا الكتاب.
_________
١ ينظر تفضيل ذلك في أحكام القرآن للجصاص ١/٧٢ - ٩٦ ومقالات الإسلاميين ٢/٢٥١ والأحكام ٤٧٧.
٢ هو عبد الله بن حبيب الضرير مقرئ الكوفة توفي سنة ٧٤هـ. "المعارف ٥٢٨، معرفة القراء الكبار ٤٥، نكت الهميان ١٧٨، غاية النهاية ١/٤١٣".
٣ ساقط من ب.
٤ أ: عرفوني. وينظر النحاس ٥.
1 / 13
باب ذكر آي١ في سورة البقرة في ذلك
الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ ٢ قال مجاهد٣ هي نفقة النقل وقال آخرون هي الزكاة وتحتمل العموم فالآية محكمة٤ وزعم بعضهم أنها نفقة كانت واجبة قبل الزكاة وزعم أنه كان فرض أن يمسك مما في يده قدر كفاية يومه وليلته ويفرق الباقي عَلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الزَّكَاةِ٥ وهو بعيد.
الثانية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا﴾ ٦ زعم قوم إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ ٧ وهذا لا يصح لأنه إن٨ أشير إلى من كان في زمن نبي تابعا لنبيه قبل بعثة نبي آخر فَأُولَئِكَ عَلَى الصَّوَابِ.
وَإِنْ أُشِيرَ إِلَى مَنْ كان في زمن نبينا فإن من ضرورته أن يؤمن بنبينا ﵇ ولا وجه للنسخ ويؤكده أنها خبر والخبر لا ينسخ٩.
_________
١ ساقطة من ب.
٢ آية ٣.
٣ مجاهد بن جبر المكي، تابعي حافظ مفسر، مقرئ فقيه. توفي سنة ١٠٣هـ. "طبقات ابن خياط ٢٨٠، حلية الأولياء ٣/٢٧٩، تذكرة الحفاظ ١/٩٢ طبقات المفسرين للداودي ٢/٣٠٥".
٤ مابين القوسين ساقط من ب.
٥ وهي الآية ٦٠ من سورة التوبة: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ . وينظر ابن سلامة ١١ وأحكام القرآن لابن العربي ١/١٠ والدر المنثور ١/٢٧.
٦ آية ٦٢.
٧ آلا عمران ٨٥.
٨ "إن" ساقطة من أ.
٩ ينظر ابن سلامة ١١.
1 / 14
الثالثة: ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً﴾ ١ الجمهور على أن المراد بها الشرك فلا يتوجه النسخ وقيل الذنوب دون الشرك فيتوجه بقوله ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ ٢ ويمكن حمله على من أتى السيئة مستحلا فلا نسخ٣.
الرابعة: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ ٤ قيل الخطاب لليهود فالتقدير من ساءلكم عن بيان محمد فاصدقوه وقيل أي كلموهم بما تحبون أن يقال لكم فعلى هذا الآية محكمة وقيل الْمُرَادَ بِذَلِكَ مُسَاهَلَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي دُعَائِهِمْ٥ إِلَى الْإِسْلامِ فَالْآيَةُ عِنْدَ هَؤُلاءِ٦ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ٧ وفيه بعد لأن لفظ الناس عام فتخصيصه بالكفار٨ يحتاج إلى دليل.
الخامسة: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ ٩ زعم قوم
_________
١ آية ٨١.
٢ النساء ٤٨.
٣ تفسير الطبري ١/٣٨٥.
٤ آية ٨٣.
٥ في أوب: في كتمانهم لا إلي ... وما أثبتناه من نواسخ القرآن لابن الجوزي "ينظر النسخ ٥٤٣".
٦ ما بين القوسين ساقط من ب.
٧ آية السيف في أصح الأقوال هي الآية ٥ من سورة التوبة: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ . "الإتقان ٣/٦٩ وابن حزم ٣٧٤ وابن خزيمة ٢٦٥". وذهب عبد الكريم الخطيب في كتابة "من قضايا القرآن" ص ٢٦ إلي أن آية السيف هي الآية ٣٦من التوبة: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ .
٨ ب: بالكتاب. وينظر النحاس ٢٣.
٩ آية ١٠٩.
1 / 15
أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ١ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لم يأمر بالعفو مطلقا بل إلى غاية ومثل هذا لا يدخل في المنسوخ.
السادسة: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ ٢ ذهب بعضهم إلى أن هذه الآية اقتضت جواز التوجه إلى جميع الجهات فاستقبل رسول الله بيت المقدس ليتألف أهل الكتاب ثم نسخت بقوله ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ ٣ فإنما يصح القول بنسخها إذا قدر فيها إضمار تقديره فولوا وجوهكم في الصلاة أنى شئتم ثم ينسخ ذلك القدر. والصحيح٤ أنها محكمة لأنها أخبرت أن الإنسان أين تولى فثم وجه الله ثم ابتدأ الأمر بالتوجه إلى الكعبة لا على وجه النسخ٥.
السابعة: ﴿وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ ٦ قال بعضهم هذا يقتضي نوع مساهلة الكفار ثم نسخ بآية السيف٧ وهو بعيد لأن من شرطها التنافي ولا تنافي وأيضا فإنه خبر.
الثامنة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى﴾ ٨. زعم
_________
١ ابن سلامة ١٢.
٢ آية ١١٥.
٣ البقرة ١٤٤.
٤ ب: فالصحيح.
٥ ينظر النحاس ١٤ وتفسير الرازي ٤/٣٣ وتفسير البيضاوي ١/٥٨ وروح المعاني ١/١٩٨.
٦ آية ١٣٩.
٧ ابن سلامة ١٤.
٨ آية ١٥٩.
1 / 16
بَعْضُ مَنْ قَلَّ فَهْمُهُ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِالاسْتِثْنَاءِ بعدها١ وهذا لا يلتفت إليه وذلك كلما أتى من هذا الجنس فإن الِاسْتِثْنَاءَ إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا شَمَلَهُ اللَّفْظُ وَلَيْسَ بناسخ.
التاسعة: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ﴾ ٢. ذهب بعضهم إلى أن دليل الخطاب منسوخ لأنه لما قال ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ﴾ اقتضى أنه لا يُقْتَلَ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَكَذَا لَمَّا قَالَ ﴿وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى﴾ اقْتَضَى أَنْ لا يُقْتَلَ الذَّكَرُ بِالأُنْثَى مِنْ جهة دليل الخطاب فذلك منسوخ بقوله ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ ٣ وهذا ليس بشيء يعول عليه لوجهين أحدهما أنه إنما ذكر في المائدة ما كتبه أهل التوراة وذلك لا يلزمنا فإن قيل شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ وَخِطَابُنَا بَعْدَ خِطَابِهِمْ قَدْ ثَبَتَ النَّسْخُ فَتِلْكَ الْآيَةُ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً بِهَذِهِ مِنْ هَذِهِ بِتِلْكَ وَالثَّانِي أَنَّ دَلِيلَ الخطاب إنما يكون حجة ما لم يعارضه دليل أقوى منه وَقَدْ ثَبَتَ بِلَفْظِ الْآيَةِ أَنَّ الْحُرَّ يُوَازِي الحرة فلأن يوازي العبد أولى٤.
العاشرة: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ﴾ ٥. ذهب كثير من العلماء إلى نسخها بآية الميراث٦. ونص
_________
١ وهو قوله تعالي: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ "الآية ١٦٠". وقد قال بهذا ابن حزم ٣٧٥ وابن سلامة ١٤.
٢ آية ١٧٨.
٣ المائدة ٤٥.
٤ ينظر النحاس ١٦.
٥ آية ١٨٠.
٦ هي الآية ١١ من سور النساء: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ . ينظر النحاس ١٨ ومقالات الإسلاميين ٢/٢٥٢.
1 / 17
أحمد١ على ذلك فقال: الوصية للوالدين منسوخة.
الحادية عشرة: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ ٢ ذهب بعضهم إلى أن الإشارة إلى صفة الصوم وكان قد كتب على من قبلنا أنه إذا نام أحدهم في الليل لم يجز له الأكل إذا انتبه بالليل ولا الجماع٣ فنسخ ذلك عنا بقوله ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ الآية٤ والصحيح أن الإشارة إلى نفس الصوم والمعنى كتب على من قبلكم أن يصوموا وليست الإشارة إلى صفة الصوم ولا إلى عدده٥ فالآية على هذا محكمة٦.
الثانية عشرة: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾ ٧ في هذا مضمر تقديره وعلى الذين يطيقونه ولا يصومونه فدية ثم نسخت بقوله ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ ٨.
_________
١ أحمد بن محمد بن حنبل، إمام المذهب الحنبلي وأحد الأئمة الأربعة. توفي سنة ٢٤١هـ "تأريخ بغداد ٤/٤١٢ طبقات الحنابلة ١/٤، تهذيب التهذيب ١/٧٢؟، روضات الجنات ١/٨٤".
٢ آية ١٨٣.
٣ في أ: الجماع.
٤ البقرة ١٨٧. وينظر تفسير الطبري ٢/١٦٧.
٥ في أ: عدد.
٦ ينظر النحاس ١٩، ٢٢.
٧ آية ١٨٤.
٨ البقرة ١٨٥.
1 / 18
الثالثة عشرة: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا﴾ ١ قيل المنسوخ منها أولها لأنه اقتضى أَنَّ الْقِتَالَ إِنَّمَا يُبَاحُ فِي حَقِّ مَنْ قاتل من الكفار دون من لم يقاتل ثم نسخ بآية السيف وهذا القائل إنما أخذه من دليل الخطاب ودليل الخطاب إنما يكون حجة إذا لَمْ يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ وَقَدْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَآيَةِ السَّيْفِ وَغَيْرِهَا وقال آخرون المنسوخ منها ﴿وَلا تَعْتَدُوا﴾ قالوا والمراد به ابتداء المشركين بالقتال في الشهر الحرام والحرم ثم نسخ بآية السيف وهذا بعيد والصحيح إحكام جميع الآية٢.
الرابعة عشرة: ﴿وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ ٣ ذهب قوم إلى أن هذا منسوخ بآية السيف٤ والصحيح أنه محكم وأنه لا يجوز أن يقال أحل٥ في المسجد الحرام حتى يقاتلوا فإنما أحل القتال لرسول الله ساعة من نهار وكان ذلك تخصيصا له لا على وجه النسخ.
الخامسة عشرة ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ٦ قال بعضهم إن انتهوا عن الكفر فعلى هذا الآية محكمة وقال آخرون عن قتال المسلمين لا عن الكفر فتوجه النسخ بآية السيف٧.
_________
١ آية ١٩٠.
٢ ينظر تفسير الطبري ٢/١٨٩ وابن سلامة ١٩ وتفسير الرازي ٥/١٣٩.
٣ آية ١٩١.
٤ ينظر النحاس ٢٦ وابن سلامة ١٩.
٥ في أ: أحد.
٦ آية ١٩٢.
٧ يتظر ابن حزم ٣٧٨ والعتائقي ٣٣.
1 / 19
السادسة عشرة: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ ١ نسخت الآية بآية السيف٢.
السابعة عشرة: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ٣﴾ قال جماعة تضمنت ذم الخمر لا تحريمها ثم نسخها ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ ٤.
الثامنة عشرة: ﴿وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ٥﴾ قيل المراد بهذا الإنفاق الزكاة وقيل صدقة التطوع فالآية محكمة وزعم آخرون أنه إنفاق ما يفضل عن حاجة الإنسان وكان هذا واجبا فنسخ بالزكاة٦.
التاسعة عشرة: ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ ٧ هذا اللفظ عام خص منه أهل الكتاب والتخصيص ليس بنسخ وقد غلط من سماه نسخا٨. وكذلك العشرون وذلك قوله ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ ٩ عام خص منه الحامل والآيس والصغير لا على وجه النسخ١٠.
_________
١ آية ٢١٧.
٢ ينظر النحاس ٣٠ وابن سلامة ٢٠.
٣ آية ٢١٩.
٤ المائدة ٩٠ وهي ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ . وينظر النحاس ٣٩ وابن سلامة ٢٠ – ٢٣.
٥ آية ٢١٩.
٦ ينظر النحاس ٥٣.
٧ آية ٢٢١.
٨ ينظر النحاس ٥٥ وابن حزم ٣٨١.
٩ آية ٢٢٨.
١٠ ينظر النحاس ٦٢.
1 / 20
الحادية والعشرون: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ ١ قال المفسرون٢ كانت الجاهلية تمكث زوجة المتوفي فِي بَيْتِهِ حَوْلا يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مِيرَاثِهِ فأقرهم بهذه الآية على مكث الحول ثم نسخها ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ ٣.
الثانية والعشرون: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ ٤ اختلفوا فيه فقيل هو من العام المخصص خص منه أهل الكتاب فعلى هذا هو محكم وقيل نزلت قَبْلَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ٥.
الثالثة والعشرون: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ ٦ قيل نسخت بِقَوْلِهِ ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ ٧ وقال ابن عباس٨ نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها وقال مجاهد في الشك واليقين فعلى هذا الأية محكمة ويؤكده٩ أنه خبر١٠.
_________
١ آية ٢٤٠.
٢ تفسير الطبري
٣ البقرة ٢٣٤. وينظر النحاس ٧٢ وابن حزم ٣٨٢ وأحكام القرآن لابن العربي ١/٢٠٧.
٤ آية ٢٥٦.
٥ ينظر النحاس ٧٩ وابن سلامة ٢٧.
٦ آية ٢٨٤.
٧ البقرة ٢٨٦.
٨ عبد الله بن عباس، ابن عم الرسول صلي الله عليه وسلم، كان من علماء الصحابة، توفي بالطائف وقد كف بصره سنة٦٨هـ "طبقات ابن خياط ٤، نكت الهميان
١٨٠، مقدمة في أصول التفسير ٩٦، مجمع الزوائد ٩/٢٧٦ – ٢٨٥".
٩ في أ: ويؤكد هذا.
١٠ ينظر النحاس ٨٥ وابن سلامة ٢٧.
1 / 21
سورة آل عمران
ألأولى ١: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ﴾ ٢ قالوا هي منسوخة بآية السيف٣. وبعضهم يقول إنها نزلت تسكينا لجأشه فإنه كان يزعم في الحرص على إيمانهم فقيل له٤ إنما عليك البلاغ لا أن تشوق قلبهم إلى الصلاح فالآية على هذا محكمة.
الثانية: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ ٥ قيل الْمُرَادَ بِالْآيَةِ اتِّقَاءُ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُوقِعُوا فِتْنَةً أو ما يوجب القتل٦ فالفرقة ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ السَّيْفِ٧ وَلَيْسَ هَذَا بشيء وإنما المراد جواز تقواهم إذا أكرهوا المؤمنين٨ على الكفر بالقول الذي لا يعتقد وهذا الحكم باق غير منسوخ.
الثالثة: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ ٩ ذهب كثير من المفسرين١٠ إلى أنها نسخت بقوله ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ ١١ والصحيح أنها
_________
١ يقتضيها السياق.
٢ آية ٢٠ وفي النسختين: "فإن" وما أثبتناه من المصحف الشريف.
٣ في ب: بالسيف. وينظر ابن حزم٣٨٤.
٤ سساقطة من ب.
٥ آية ٢٨.
٦ في أ: القتال.
٧ ينظر ابن سلامة ٣٠.
٨ في ب: المؤمن.
٩ آية ١٠٢.
١٠ ما بين القوسين ساقط من ب.
١١ التغابن ١٦.
1 / 22
محكمة وأن ﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ بيان لحق١ تقاته فإن القوم ظنوا أن حق تقاته ما لا يطاق فزال الإشكال ولو قَالَ لا تَتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ كَانَ نَسْخًا٢.
سورة النساء
ألأولى٣: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ٤ روى عطاء الخراساني٥ عن ابن عباس قال نسخها ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا﴾ ٦ وهذا يقتضي قول ابي حنيفة٧ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ الأخذ من مال اليتيم بحال٨.
الثانية: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ ٩ ذهب جماعة إلى إحكامها ثم اختلفوا في الأمر فأكثرهم على الاستحباب وهو الصحيح وبعضهم على الوجوب وقال آخرون نسختها آية الميراث١٠.
_________
١ في النسختين: الحق. وما أثبتناه من نواسخ القرآن "النسخ ٦١٥".
٢ ينظر النحاس ٨٨ وحقائق التأويل في متشابه التنزيل ٢٠٢ وفتح المنان ٢٨٩.
٣ يقتضيها السياق.
٤ آية ٨.
٥ عطاء بن أبي رباح كان من أجلاء الفقهاء وتابعي مكة وزهادها. توفي سنة ١١٥هـ. "حلية الأولياء ٣/٢٦١، صفة الصفوة ٢/١١٩، ميزان الإعتدال ٣/٧٠".
٦ النساء ١٠. وفي ب: أموال الناس.
٧ النعمان بن ثابت أحد الأئمة الأربعة. توفي سنة ١٥٠هـ "تأريخ بغداد ١٣/٣٢٣، الجواهر المضية ١/٢٦، وفيات الأعيان ٥/٤٠٥، النجوم الزاهرة ٢/١٢".
٨ ينظر النحاس ٩٢.
٩ آية ٨.
١٠ هي الآية ١١ من سورة النساء كما مر.
1 / 23
الثالثة والرابعة: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ ١ وقوله ﴿وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ ٢ فالأولى دلت على أن حد الزانية في ابتداء الْإِسْلامِ الْحَبْسَ إِلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهَا سَبِيلا وَهُوَ عَامٌّ فِي الْبِكْرِ والثيب والثانية أفضت أَنَّ حَدَّ الزَّانِيَيْنِ الأَذَى فَظَهَرَ مِنَ الآيَتَيْنِ أَنَّ حَدَّ الْمَرْأَةِ كَانَ الْحَبْسَ وَالأَذَى جَمِيعًا وحد الرجل كان الأذى فقط ونسخ الحكمان بقوله ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي٣ فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ ٤.
الخامسة: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ ٥ كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل على أن يتوارثا ويتناصرا ويتعاقلا٦ في الجناية فجاءت هذه الآية فقررت ذلك ثم نسخت بالمواريث وهذا قول عامة العلماء وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ إلا أنه جعل ذوي الأرحام أولى من المعاقدة فإذا فقد ذوو الأرحام فالعاقد أحق من بيت المال٧.
السادسة: ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ ٨ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هَذِهِ الآيَةُ اقْتَضَتْ إِبَاحَةَ السُّكْرِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلاةِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بقوله٩ ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ ١٠.
_________
١ آية ١٥.
٢ آية ١٦.
٣ في النسختين الزان. وما أثبتناه من المصحف الشريف.
٤ النور ٢. وينظر النحاس ٩٦.
٥ آية ٣٣.
٦ في ب: ويتعاقدا.
٧ ينظر النحاس ١٠٥ وتفسير القرطبي ٥/١٦٥.
٨ آية ٤٣.
٩ ساقطة من ب.
١٠ الآية ٩٠ من المائدة. وينظر النحاس ١٠٧ والكشاف ١٠٧ ١/٥١٤. وقال الرضي في حقائق التأويل ٣٤٥: "فالصحيح أن هذه منسوخة بقوله تعالي: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ﴾ وبقوله تعالي "البقرة ٢١٩": ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ .
1 / 24
السابعة: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ﴾ ١ قال المفسرون فيه تقديم وتأخير تقديره فعظمهم فإن امتنعوا من الإجابة فأعرض عنهم وهذا قَبْلَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ٢.
الثامنة: ﴿وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ ٣ زعم قوم انها نسخت بآية السيف٤ وليس بصحيح لأن ابن عباس قال في تفسيرها ما أرسلناك عليهم رقيبا تؤخذ بهم فعلى هذا لا نسخ.
التاسعة: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ ٥ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مَعْنَى الْكَلامِ أَعْرِضْ عَنْ عُقُوبَتِهِمْ ثم نسخ هذا الإعراض بآية السيف٦.
العاشرة: ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ٧ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ ٨ المراد يصلون٩ يدخلون في عهد قوم بينكم وبينهم ميثاق كدخول خزاعه في عهد رسول الله ثم نسخ ذلك بآية السيف١٠.
_________
١ آية ٦٣.
٢ ينظر ابن حزم ٣٩٢ وابن سلامة ٢٧.
٣ آية ٨٠.
٤ وإليه ذهب ابن حزم ٣٩٢ وابن سلامة ٢٧.
٥ آية ٨١.
٦ ينظرابن حزم ٣٩٢.
٧ أ: إلا أن يصلون. ب: ألا أن يصلو. وما أثبتناه من المصحق الشرف.
٨ آية ٩٠.
٩ أ: يتوصلون.
١٠ ينظر ابن سلامة ٣٨.
1 / 25
الحادية عشرة: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ ١ ذهب الأكثرون إلى أنها منسوخة بقوله ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ ٢ وقال قوم هي محكمة ولهم في طريق إحكامها قولان أحدهما أن قاتل المؤمن مخلد في النار وأكدها هنا٣ بأنها خبر والثاني أَنَّهَا عَامَّةٌ دَخَلَهَا التَّخْصِيصُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قتله كافر ثم أسلم سَقَطَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ فَإِذَا٤ ثَبَتَ كَوْنُهَا مِنَ الْعَامِّ٥ الْمُخَصَّصِ فَأَيُّ دَلِيلٍ صَلُحَ لِلتَّخْصِيصِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَمِنْ أَسْبَابِ التخصيص٦ أن يكون قتله٧ مستحلا لأجل إيمانه فاستحق التخليد لاستحلاله وذهب قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ فِي حَقِّ مَنْ لم يتب وقيل فجزاؤه جهنم إن جازاه وفيه بعد لقوله ﴿وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ﴾ ٨.
سورة المائدة
الأولى ٩: ﴿لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ ١٠ ذهب بعضهم إلى إحكامها١١ وقال١٢ لا يَجُوزُ اسْتِحْلالُ الشَّعَائِرِ وَلا الْهَدْيِ قَبْلَ أَوَانِ
_________
١ آية ٩٣.
٢ النساء ١١٦.
٣ أكدو هذا.
٤ أ: فلذا.
٥ أ: العلم.
٦ مابين القوسين ساقط من أ.
٧ أ: قد قتله.
٨ ينظر في هذه الآية: تفسير الطبري ٥/٢١٥ – ٢٢١، النحاس ١١٠، أحكام القرآن لابن العربي ١/٤٥٨، البحر المحيط ٣/٣٢٦.
٩ يقتضيها السياق. وسأهمل الإشارة إليها في السور الأخري واكتفي بحصرها بين القوسين.
١٠ آية ٢.
١١ إ: استحكامها.
١٢ ب: وقالوا.
1 / 26
ذبحه. وقال١ آخرون: كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تُقَلِّدُ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ فَقِيلَ لا تَسْتَحِلُّوا أَخْذَ الْقَلائِدِ مِنَ الْحَرَمِ وَلا تصدوا القاصدين إلى البيت وذهب آخرون إلى أنها منسوخة ولهم في المنسوخ ثلاثة أقوال أحدها ولا آمين البيت الحرام فنسخ في المشركين بِقَوْلِهِ ﴿فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ ٢. والثاني الآية٣ تحرم الشهر الحرام والآمين إذا كانوا مشركين وهدي المشركين ولم يكن لهم أمان والثالث أن جميعها منسوخ هكذا أطلقه جماعة وليس بصحيح٤ فإن قوله ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا٥ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ إلى آخرها فلا وجه لنسخه٦.
الثانية: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ٧﴾ . فيها ثلاثة أقوال إحداها أَنَّهَا اقْتَضَتْ إِبَاحَةَ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الإطلاق وإن علمنا أنهم أهلوا عليها بغير اسم الله وأشركوا به غيره هذا قول الشعبي٨ وآخرين والثاني أن ذلك كان٩ مباحا في أول الإسلام ثم نسخ بقوله ﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ ١٠. والثالث:
_________
١ ب: فقال.
٢ التوبة ٣٧.
٣ ب: آية.
٤ أ: تصحيح.
٥ مابين القوسين من الآية ساقط من النسختين.
٦ ينظر تفسير الطبري ٦/٥٤، النحاس ١١٥.
٧ آية ٥.
٨ عامر بن شراحيل الكوفي من التابعين والفقهاء المحدثين توفي سنة ١٠٥هـ. "طبقات ابن سعد ٦/٢٤٦"، حلية الأولياء ٤/٣١٠، العبر في خبر من غير ١/١٢٧، وفيات الأعيان ٣/١٢".
٩ ساقط من أ.
١٠ الأنعام ١٢١.
1 / 27
إنما أبيحت ذبائحهم لأن الأصل أنهم يذكرون اسم الله١ فمتى علم أنهم قد ذكروا غير اسم الله لم يؤكل فعلى هذا الآية محكمة٢.
الثالثة: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ﴾ ٣ الأكثرون على نسخها بآية السيف٤ وقال ابن جرير٥ يجوز أن يعفو٦ عنهم في غدرة٧ فعلوها ما لم يصيبوا٨ حربا ولم يمتنعوا من أداء الجزية فلا يتوجه النسخ٩.
الرابعة: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ ١٠ اقتضت تخيره١١ بين الحكم وتركه ثم قيل وهل هذا التخيير ثابت أم نسخ فيه قولان أحدهما١٢ في الحكم أنه نسخ بقوله ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ ١٣ وهذا مذهب ابن عباس وعطاء وعكرمة١٤.
_________
١ ما بين القوسين ساقط من أ.
٢ ينظر النحاس ١١٦ وتفسير القرطبي ٦/٧٦.
٣ آية ١٣.
٤ في ابن حزم ٣٩٤ وابن سلامة ٤١: إنها نسخت بالآية ٢٩ من التوبة: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ وينظر النحاس ١٢٣.
٥ محمد بن جرير الطبري المفسر المؤرخ، توفي سنة ٣١٠هـ "الوافي بالوفيات ٢/٢٨٤، طبقات المفسرين للسيوطي ٣٠، طبقات المفسرين للداودي٢/١٠٦، معرفة القراء الكبار ٢١٣".
٦ أ: يعفي.
٧ أ: غداوة.
٨ في النسختين: ينصبوا. وما أثبتناه من تفسير الطبري.
٩ ينظر تفسير الطبري "٦/١٥٨ وتفسير ابن كثير ٢/"٣٣.
١٠ آية ٤٢.
١١ أ: تخيره.
١٢ ب: أحدها.
١٣ المائدة ٤٩.
١٤ هو عكرمة مولي ابن عباس، توفي سنة ١٠٥هـ. "حلية الأولياء ٣/٣٢٦، وفيات الأعيان ٣/٢٦٥، غتية النهاية ١/٥١٥، تهذيب التهذيب ٧/٢٦٣".
1 / 28
والسدى١. والثاني أنه ثابت لم ينسخ وأن الإمام ونوابه مخيرون إذا ترافعوا٢ اليهم إن شاءوا حكموا وإن شاءوا أعرضوا فإن حكموا حكموا بالصواب٣.
الخامسة: ﴿مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ﴾ ٤ قيل هي محكمة والمراد ما عليه إلا البلاغ لاالهدى وقيل أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الاقْتِصَارَ عَلَى التَّبْلِيغِ دُونَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ وَالأَوَّلُ أَصَّحُ٥.
السادسة: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ ٦.
فيها قولان أحدهما أنها تضمنت الأمر بكف الأيدي عن قتال الضالين فنسخت بآية السيف٧ والثاني أنها محكمة لأنها لا تمنع من قتال المشركين فهو الصحيح٨.
السابعة: ﴿شَهَادَةُ٩ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ١٠ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ الإشارة بهذا إلى الشاهدين اللذين شهدا على الموصي في السفر وفي قوله ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ ١١ قولان: أحدهما: من غير عشيرتكم وهم مسلمون أيضا فعلى
_________
١ إسماعيل بن عبد الرحمن صاحب التفسير والمغازي والسير، توفي سنة ١٢٨هـ. "النجوم الزاهرة ١/٣٠٤، ميزان الإعتدال ١/٢٣٦، طبقات المفسرين للداودي ١/١٠٩، تهذيب التهذيب ١/٣١٣".
٢ أ: ترفعوا انشاء.
٣ بعدها في ب: مخيرون. وينظر النسخ في القرآن الكريم ٧١١ – ٧١٧.
٤ آية ٩٩.
٥ ينظر ابن حزم ٣٩٥ والعتائقي ٤٧.
٦ آية ١٠٥.
٧ ابن سلامة ٤٢.
٨ ينظر النسخ في القرآن الكريم ٤٣٥ – ٤٣٧.
٩ أ: فشهادة.
١٠ ب: وآخران.
١١ آية ١٠٦.
1 / 29
هذا الآية محكمة والثاني من غير ملتكم وهل هذا الحكم باق عندنا إنه باق١ لم ينسخ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ٢ وَابْنِ جبير٣ وابن سيرين٤ والشعبي والثوري٥ والثاني أنه منسوخ بقوله ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ ٦ وإليه مال أبو حنيفة ومالك٧ والشافعي٨ ونحن نقول هذا موضع ضرورة فجاز فيه ما لا يجوز في غيره لقبول الشهادة من النساء بالنفاس والحيض والاستهلال٩.
سورة [الأنعام]
الأولى: ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ ١٠
_________
١ ما بين القوسين ساقط من ب.
٢ سعيد بن المسيب أحد الفقهاء السبعة في المدينه، توفي سنة ٩١هـ. "طبقات ابن سعد ٥/١١٩، حلية الأولياء ٢/١٦١، صفة الصفوة ٢/٤٤، وفيات
الأعيان ٢/٣٧٥".
٣ سعيد بن جبير تابعي ثقة، توفي سنة ٩٥هـ. "طبقات ابن سعد ٦/٢٥٦، الجرح والتعديل ٢/١/٩، معرفة القراء الكبار ٥٦، غاية النهاية ١/٣٠٥".
٤ محمد بن سيرين البصري، مولي أنس بن مالك توفي سنة ١١٠هـ "طبقات ابن سعد ٧/١٩٣، الجرح والتعديل ٣/٢/٢٨٠، وفيات الأعيان ٤/١٨١، غاية
النهاية ٢/١٥١".
٥ سفيان الثوري، أحد الأئمة المجتهدين كان ورعا ثقة توفي سنة ١٦١هـ. "المعارف ٤٩٧، حلية الأولياء ٦/٣٥٦، الجواهر المضية ١/٢٥٠، تذكرة الحفاظ
٢٠٣".
٦ الطلاق ٢.
٧ مالك بن أنس أول من صنف في الفقه وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة وإليه تنسب المالكية توفي سنة ١٧٩هـ. "الأوائل ٢٩٨، الإنتقاء في ففضائل الثلاثة
الأئمة الفقهاء ٩، ترتيب المدارك ١/١٠٢، الديباج المذهب١٧".
٨ محمد بن إدريس أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة وإليه تنسب الشافعية توفي سنة ٢٠٤خـ. "حلية الأولياء ٩/٦٣، ترتيب المدارك ١/٣٨٢، معجم الأدباء
١٧/٢٨١، طبقات الشافعية للسبكي ١/١٩٢".
٩ ينظر في هذه الآية: تفسير الطبري ٧/١٠٠، النحاس ١٣١، ابن سلامة ٤٢، تفسير ابن كثير ٢/١١١، فتح المنان في نسخ القرآن ٣٠٨.
١٠ آية ١٥.
1 / 30