275

Murūj al-dhahab wa-maʿādin al-jawhar

مروج الذهب ومعادن الجوهر

فقال أبو عمرو: وقتلى قتلته ... ومثلي قليل والرجال كثير فأرسل يمينا أن رمحك ناله ... وأكرم أن تحلف وأنت أمير

وقد تنازع أهل الأخبار والسير في جرير والمثنى: فمن الناس من ذهب إلى أن جريرا كان هو المولى على الجيش، ومنهم من رأى أن جريرا على قومه والمثنى على قومه.

ولما قتل مهران أعظمت الفرس ذلك، وسار شيرازاد في جمع فارس الأعظم وكنيته بوران؛ وقد كانت جمهرة الأساورة تقدمت وتقدم أمامه رستم، فتنحى المسلمون لما بلغهم مسيره، فلحق جرير بكاظمة فنزلها، وسار المثنى بقومه من بكر بن وائل فنزل بسيراف، وبها ابار كثيرة بين الكوفة وزبالة على ثلاثة أميال من المنزل المعروف بواقصة، وكان المثنى قد أصيب بجراحات كثيرة في بدنه يوم الجسر وغيره فمات بسيراف، رحمه الله تعالى!.

سعد بن أبي وقاص

ولما ورد كتاب عمر على سعد بن أبي وقاص نزل زبالة على حسب ما أمره به عمر، ثم أتى سيراف، وأتاه الناس من الشام وغيرها، ثم سار فنزل العذيب وهو على فم البر وطرف السواد مما يلي القادسية، فالتقى جيش المسلمين وجيش الفرس وعليهم رستم، والمسلمون يومئذ في ثمانية وثمانين ألفا وقيل: إن من اسهم له ثلاثون ألفا والمشركون في ستين آلفا، أما جيوشهم الفيلة عليها الرجال، وحرض الناس بعضهم بعضا، وبرز أهل النجدات، فأشبوا القتال وخرج إليهم أقرانهم من صناديد فارس، فاعتوروا الضرب والطعن، وخرج غالب بن عبد الله الأسدي في من خرج ذلك اليوم وهو يقول:

قد علمت واردة المسالح ... ذات البنان واللبان الواضح

أني سمام البطل المشايح ... وفارج الأمر المهم الفادح

فخرج إليه هرمز - وكان من ملوك الباب والأبواب، وكان متوجا - فأسره غالب آسرا، فأتى به سعدا، وكر راجعا إلى المطاردة، وحمي الوطيس، وخرج عاصم بن عمرو وهو يقول:

قد علمت بيضاء صفراء اللبب ... مثل اللجين يتغشاه الذهب

أني أمرؤ لا من يعنيه السبب ... مثلى على مثلك يغريه العتب

فبرز إليه عظيم من أساورتهم، فجالا، ثم إن الفارسي ولى، واتبعه عاصم حتى لجأ إلى صفوفهم، وعموه، وغاص عاصم بينهم حتى أيس الناس منه، ثم خرج في مجنبات القلب، وقدامة بغل عليه صناديد موكبية بالة حسنة، فأتى به سعد بن مالك وعلى البغل رجل عليه مقطعات ديباج وقلنسوة مذهبة، وإذا هو خباز الملك، وفي الصناديق لطائف الملك من الأخبصة والعسل المعقود، فلما نظر إليه سعد قال: انطلقوا به إلى أهل موقفه، وقولوا: إن الأمير قد نفلكم هذا فكلوه ففعلوا.

أيام القادسية

Page 295