Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
قرى قبره الأضياف إذ نزلوا به ... ولم يقر قبر قبله الدهر راكب وحدث أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاز السجستاني، عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال: سمعت شيخاه العرب قد أناف على المائة يقول: إنه خرج وافدا على بعض ملوك بئ أمية، قال: فسرت في ليلة صهاكية حالكة كأن السماء قد برقعت نجومها بطرائق السحاب، وضللت الطريق، فتولجت واديأ لا أعرفه فأهمتني نفسي بطرحها حتى الصباح فلم آمن عزيف الجن، فقلت: أعوز برب هذا الوادي من شره، وأستجيره في طريقي هذا، وأسترشده، فسمعت قائلا يقول من بطن الوادي:
تيامن تجاهك تلق الكلا ... تسير وتأمن في المسلك
قال: فتوجهت حيث أشار إلي وقد أمنت بعض الأمن فإذا أنا بأقباس نار تلمع أمامي في خللها كالوجوه على قامات كالنخيل السحيقة، فسرر وأصبحت بأوشال - وهو ماء لكلب - بقرب برية دمشق.
وقد ذكر الله عز وجل ذلك من فعلهم في كتابه فقال: " وانه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزاثوهم رهقا " .
ذكر ما ذهبت إليه العرب من القيافة والزجر والعيافة والسانح والبارح وغير ذلك
الخلاف في القيافة وجوازها
تنازع الناس في العيافة والقيافة وغيرها مما ذكر: فذهبت طائفة إلى تحقيق القيافة والأخذ بها؛لأن الأشباه تنزع، وغير جائز أن يكون الولد غير مشبه لأبيه، أو أحد من أهله من جهة من الجهات، ومنهم من ذهب إلى أن في الولد مواضع تلحقها القيافة دون غيرها من الأعضاء مما لم يحلها الشبه، ولا توافق بينهما بحد مشترك، وأبى آخرون ما وصفنا؛إذ كان الناس قد يتشابهون في حد الإنسانية وغير ذلك من الحدود، ويفترقون في غيرها من الصور، وليس وجود الأغلب من الأشباه مما يوجب إلحاق الشبه بشبهه، دون أن يخالف من حيث أوجبت قضية العقل الاختلاف بالتباين.
اختصاص العرب بذلك
وهذه المعاني من خواص ما للعرب، وما تفردت به، دون سائر الأمم في الأغلب منها، وإن كانت الكهانة قد وجدت في غيرها، فإن القيافة والزجر والتفاؤل والتطير ليس لغيرها في الأغلب من الأمور، وليس هو موجودأ في سائر العرب، وإنما هو للخاص منها الفطن والمتدرب الطنن، وإن وجد ذلك في بعض الأمم، كوجود ذلك في الإفرنجة، وما جانسها ممن هنالك من الأمم، فيمكن أن يكون ذلك موروثا عن العرب، ومأخوذا منها في سالف الدهر، لأن العرب قد تنقلت في البلاد، وتغيرت لغاتها، فنسب ذلك إلى الجنس الذي قطنت بينهم العرب، ويمكن أن تكون الإفرنجة، ومن وجد فيها ذلك من الأمم، وأخذوه بعد ظهور الإسلام عمن جاورهم من أمم العرب، ممن سكن بلاد الأندلس من الأرض الكبيرة، وإن كان ذلك قبل ظهور الإسلام فهو ما ذكرنا آنفا، ويمكن أن يكون الله عز وجل خص بذلك أمما غير العرب كما خص العرب به؛إذ كان ذلك داخلا في الإمكان، خارجا من باب الممتنع والواجب، فيكون الزجر والفأل شاملا لبعض العرب وغيرها من خواص الأمم كوجود النقد للبربر، والنظر في الكتف، وغير ذلك مما خص به كل جنس من الناس.
منشأ القيافة
Page 234