Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
ومصر من سادات القرى، ورؤساء المدن، قال الله تعالى: حاكيا عن فرعون: " أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي، أفلا تبصرون " وقال عز وجل حاكيا عن يوسف عليه السلام: " اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظ عليم " وهي مصر، وليس في أنهار الدنيا نهر يسمى بحرا ويما غير نيل مصر لكبره واستبحاره، وقد قدمنا فيما سلف من كتبنا الخبر عن جبل القمر الذي بدء النيل منه، وما يظهر من تأثير القمر فيه عند زيادته ونقصانه من النور والظلام في البدر والمحاق . وقد روي عن زيد بن أسلم في قوله تعالى: " فإن لم يصبها وابل فطل " ، قال: هي مصر، إن لم يصبها وابل زكت، وإن أصابها مطر ضعفت، وقال بعض الشعراء يصف مصر ونيلها: مصر، ومصر شأنها عجيب ونيلها تجري به الجنوب وهي مصر، واسمها كمعناها، وعلى اسمها سميت الأمصار، ومنه اشتق هذا الاسم عند علماء البصريين، وقد قال عمرو بن معد يكرب:
ما النيل أصبح زاخرا بمدوده ... وجرت له ريح الصبا فجرى لها
عودت كندة عادة مجموعة ... فاصبر لجاهلها وروسجالها
زيادة النيل ونقصانه
قال االمسعودي: ويبتدئ نيل مصر بالتنفس والزيادة بقية بؤونة - وهو حزيران - وأبيب - وهو تموز - ومسرى - وهو آب - فإذا كان الماء زائدا زاد شهر توت كله - وهو أيلول - إلى انقضائه، فإذا انتهت الزيادة إلى ست عشرة فراعا، ففيه تمام الخراج، وخصب الأرض، وريع للبلد عام، وهو ضار للبهائم لعدم المرعى والكل، وأتم الزيادات كلها العامة النفع للبلد كله سبع عشرة فراعا، وفي ذلك كفايتها، ورفي جميع أراضيها، وإذا زاد على السبع عشرة وبلغ ثمان عشرة فراعا وغلقها استبحر من أرض مصر الربع، وفي ذلك ضرر لبعض الضياع، لما ذكرنا من وجه الاستبحار وغير ذلك، وإن كانت الزيادة ثمان عشرة فراعا كانت العاقبة في انصرافه حدوث وباء بمصر، وأكثر الزيادات ثمان عشرة فراعا، وقد كان النيل بلغ في زيادته تسع عشرة فراعا، وذلك سنة تسع وتسعين في خلافة عمر بز عبد العزيز، ومساحة. الفراع إلى أن تبلغ اثني عشر فراعا ثمان وعشرون أصبعا، ومن اثني عشر فراعا وما فوق يصير الفراع أربعا وعشرين أصبعا، وأقل ما يبقى في قاع المقياس من الماء ثلاثة أفرع، وفي مثل تلك السنة يكون الماء قليلا، والأفرع التي يستسقي عليها بمصر هي فراعان تسميان منكرا ونكيرا، وهي الفراع الثالث عشر، والفراع الرابع عشر، فإذ انصرف الماء عن هاتين الفراعين - أعني ثلاث عشرة وأربع عشرة - وزيادة نصف ذراع من الخمس عشرة، استسقى الناس بمصر، وكان الضرر شاملا لكل البلدان، إلا أن يأذن الله عز وجل في زيادة الماء، وإذا تم خمس عشرة ودخل في ست عشرة ذراعا كان فيه صلاح لبعض الناس، ولا يستسقي فيه، وكان ذلك نقصا من خراج السلطان، والترع التي بغيضة مصر أربع أمهات؟ أسماؤها: ترعة ذنب التمساح، وترعة بلقينة، وخليج سردوس، وخليج ذات الساحل، وتفتح هذه الترع إذا كان الماء زائدا في عيد الصليب، وهو لأربع عشرة تخلو من توت وهو أيلول، وقد قدمنا خبر تسمية هذا اليوم بعيد الصليب فيما سلف من هذا الكتاب، والنبيذ الشيراري يتخذ بمصر من ماء طوبة، وهو كانون الآخر، بعد الغطاس، وهو لعشرة تمضي من طوبة، وأصفى ما يكون النيل في ذلك الوقت، وأهل مصر يفتخرون بصفاء النيل في هذا الوقت، وفيه تختزن المياه أهل تنيس ودمياط وبونة وسائر قرى البحيره.
ليلة الغطاس
ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها، لا ينام الناس - فيها، وهي ليلة إحدى عشرة تمضي من طوبة وستة من كانون الثاني.
ولقد حضرت سنة ثلاثين وثلثمائة ليلة الغطاس بمصر، والإخشيد محمد بن ظغج في داره المعروفة بالمختارة في الجزيرة الراكبة للنيل والنيل يطيف بها، وقد أمر فأسرج من جانب الجزيرة وجانب الفسطاط ألف مشعل غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل والشمع، وقد حضر النيل في تلك الليلة مئو آلاف من الناس من المسلمين والنصارى، منهم في الزوارق، ومنهم في الدور الدانية من النيل، ومنهم على الشطوط، لايتنا كرون الحضور، ويحضرون كل ما يمكنهم إظهاره من المأكل والمشارب والملابس وآلات الذهب والفضة والجواهر والملاهي والعزف والقصف، وهي أحسن ليلة تكون بمصر، وأشملها سرورا، ولا تغلق فيها الدروب، ويغطس أكثرهم في النيل، ويزعمون أن ذلك أمان من المرض ومبرئ للداء.
مقاييس النيل
Page 151