بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
مُقَدّمَة الْمُؤلف
الْحَمد لله الَّذِي جَمعنَا على محبَّة سيد الْبشر ونفعنا بسيرته الَّتِي حسن مِنْهَا الْمُبْتَدَأ وطاب الْخَبَر وأهلنا لخدمة سنته الشَّرِيفَة وفضلنا بِاتِّبَاع أَحْكَامه المنيرة وأعلامه المنيفة وَالصَّلَاة على نبيه مُحَمَّد صَاحب السِّيرَة السّريَّة وساحب سحائب الْفضل والشرف على سَائِر الْبَريَّة وعَلى آله وَصَحبه المرضية سكنات كل مِنْهُم وحركاته وَعَلِيهِ وَعَلَيْهِم السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته
وَبعد. . فَإِن أحسن الحَدِيث كتاب الله الْكَرِيم وَخير الْهدى مَا نقل عَن الْمَوْصُوف بالخلق الْعَظِيم فالسعيد من امتثل أوَامِر كِتَابه وَرَسُوله واقتفى من أثرهما مَا يبلغ بِهِ غَايَة قَصده وسوله وفقنا الله لاتباع محبته ومراضيه وهدانا فِيمَا بَقِي من الْعُمر وَعَفا عَمَّا جرى فِي ماضيه بمنه وَطوله وقوته وَحَوله
1 / 25
نسب النَّبِي ﷺ
هُوَ أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة ابْن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن
1 / 26
اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيذار بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن تارح بن ناحور بن ساروع بن أرعواء بن فالع بن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سَام بن نوح بن لمك بن متوشلح بن أَخْنُوخ بن يرد بن مهلائيل بن قنيان بن أنوش بن شِيث بن آدم أبي الْبشر ﵇
(نسب عَلَيْهِ مهابة وجلالة ... بالمصطفى خير الورى أقْصَى الأرب)
(نسب أَضَاء الْأُفق بِنور من ... لولاه مَا طلع الْهلَال وَلَا غرب)
(نسب رفيع ضم جَامع شَمله ... أَعْيَان سَادَات الْأَعَاجِم وَالْعرب)
1 / 27
تَزْوِيج آمِنَة من عبد الله بن عبد الْمطلب
تزوج عبد الله بن عبد الْمطلب وَالِد ملاذ المقترب وعياذ المغترب آمِنَة أم الإِمَام الْأَعْظَم الَّذِي وفر الله من الْكَرَامَة قسمه وبحياته أقسم
وَهِي بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة بن كلاب المحمية من أسلحة قَومهَا بالبتر المواضي والصم الصلاب وَكَانَت فِي حجر عَمها وهيب مبرأة من شين الشين وعيب الْعَيْب فَخَطَبَهَا مِنْهُ عبد الْمطلب لوَلَده قَاصِدا جمع الشمل بَين لبوته وأسده فَأحْسن جَوَابه وَقبل خطبَته وخطابه وَمن نجله عبد الله زَوجهَا وبالإكليل الأرضي بل السماوي توجها يَا لَهُ عقدا بلغ بِهِ أهل الْإِيمَان غَايَة الْأَمَانِي وقرانا طارت بأنباء نبوته حمائم التهاني
(واستبشر الْكَوْن وشمس الضُّحَى ... خلقت الْآفَاق بالزعفران)
(والبدر للزهر غَدا قَائِلا ... يَا قوم مَا أسعد هَذَا الْقُرْآن)
1 / 28
حمل آمنهُ بِالنَّبِيِّ ﷺ
لما حملت بِهِ لم تَجِد شَيْئا من الثّقل وَلَا اعتراها بِسَبَبِهِ تبرم وَلَا ملل وأتاها آتٍ حسن الْكَلَام وَهِي مَا بَين الْيَقَظَة والمنام مخبرا أَنَّهَا حملت بِسَيِّد الْأمة ونبيها واشتملت على شمس بكرتها وقمر عشيها
ثمَّ أَتَاهَا حِين دنا وَقت وِلَادَتهَا وتكملت محَاسِن درة وِلَادَتهَا فَقَالَ عوذيه بِالْوَاحِدِ من شَرّ كل حَاسِد وَأمرت أَن تسميه مُحَمَّدًا وَفِي رِوَايَة أَحْمد يَا لَهُ سيف شرفه الْمَشْهُور لَا يغمد
(يَا بنت وهب أَبْشِرِي وتمتعي ... فَلَقَد حملت بِسَيِّد الْأَشْرَاف)
(ذَاك الَّذِي من شَاءَ يعرف قدره ... فَعَلَيهِ بالأنفال والأعراف)
وَفَاة وَالِده عبد الله بن عبد الْمطلب
خرج عبد الله فِي فتية من تجار قُرَيْش إِلَى الشَّام شائما وميض برقة المتألق فِيمَن شام فَلَمَّا فرغوا من قضى أوطارهم وَانْصَرفُوا رَاجِعين إِلَى دِيَارهمْ مروا بِأَكْنَافِ الْمَدِينَة بِمَا مَعَهم من البضائع الثمينة فَتخلف بهَا عِنْد أَخْوَاله من بني النجار واشتغل بِمَرَض نَفسه عَن المتجر والتجار
1 / 29
وَاسْتمرّ موثقًا بِقَيْد الوصب إِلَى أَن حَان أَجله واقترب فَدفن بدار النَّابِغَة وتقلصت طلاله السابغة ومني بعد خمس وَعشْرين بملازمة الضريح وَرَسُول الله ﷺ يَوْمئِذٍ حمل على الصَّحِيح
وَفِيه تَقول آمِنَة من أَبْيَات
(عَفا جَانب الْبَطْحَاء من نجل شيبَة ... وجاور لحدا خَارِجا فِي الغماغم)
(دَعَتْهُ المنايا دَعْوَة فأجابها ... وَمَا تركت فِي النَّاس مثل ابْن هَاشم)
مولد النَّبِي ﷺ عَام الْفِيل
ولد فِي أَيمن طالع وأسعده وَحل فِي أفضل وَقت مَحْمُود بأحمده وَأَقْبل وخيل الْخَيْر تقاد بَين يَدَيْهِ وَقدم قدوم الْغَيْث إِلَى الأَرْض المحتاجة إِلَيْهِ وَذَلِكَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ حِين طلع الْفجْر وَمضى اللَّيْل عَازِمًا على الهجر لعشر خلون من ربيع الأول عَام الْفِيل أَهلا بِهِ من عَام بالنجاة زعيم وبالنجاح كَفِيل
1 / 30
وَلم يؤم أمه تَعب وَلَا نصب الدَّهْر لَهَا شرك نصب بل سعدت بِقُرْبِهِ واتصاله وبعدت عَن الْمَشَقَّة فِي حمله وفصاله وَرفعت بِمَا وضعت ولاحت عَلَيْهَا أنوار الْوَقار ولمعت
فَلَمَّا انْفَصل مِنْهَا وانتقل محروسا بِالْمَلَائِكَةِ عَنْهَا برز نظيفا مختونا مَسْرُورا قطع مِنْهُ السِّرّ من اتَّخذهُ محبوبا محبورا وَظهر لَهُ من السِّرّ مَا حير الصَّامِت والمعرب وَخرج مَعَه نور أَضَاء لَهُ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب حَتَّى بَين أَعْنَاق الْإِبِل ببصرا وزين قُصُور الشَّام فَلم يدع مِنْهَا قصرا
وعَلى الأَرْض وَقع ﷺ رَافعا رَأسه إِلَى السَّمَاء مُعْتَمدًا على يَدَيْهِ ثمَّ أَخذ بكفه قَبْضَة من تُرَاب الأَرْض إِشَارَة إِلَى أَنه يملكهَا كلهَا فِي الطول وَالْعرض
ثمَّ أدَّت مَا حَملته من الْأَمَانَة آمِنَة وَكَانَت مِمَّا تَشْكُو الْحَوَامِل آمِنَة وَقيل لما اشْتَدَّ بهَا طلق النّفاس وَكَانَت فريدة بسطت أكف شكواها إِلَى ذِي
1 / 31
الأيادي الحميدة فَإِن هِيَ بمريم ابْنة عمرَان وآسية بنت مُزَاحم ومعهن جمَاعَة من الْحور الحسان الأعاظم فَحِينَئِذٍ أَسْفر فِي بَيتهَا صبح السَّعَادَة وَذهب عَنْهَا الْحزن وأبدت لَهَا السِّيَادَة
وَكَانَت قابلته الشِّفَاء بنت عَمْرو بن عَوْف وحاضنته أم أَيمن الَّتِي أمنت بِهِ عَظِيم الشدائد وَالْخَوْف فَمَا أكْرم أَيَّام مولده الشريف عِنْد من عرف قدرهَا وَمَا أعظم بركتها عِنْد من عرف سرها ونشرها وحقيق بِيَوْم كَانَ فِيهِ وجود النَّبِي أَن يتَّخذ عيدا وخليق بِوَقْت اسْتَقَرَّتْ فِيهِ غرته أَن يعْقد طالعا سعيدا إِذْ قد انبسق فِيهِ عَن جَوْهَرَة الْكَوْن بيض الشّرف وَفِيه ظَهرت الدرة المصونة من بَاطِن الصدف وأبرز سَابق السعد من كمون الْعَدَم وبمكة المشرفة أنْجز صَادِق الْوَعْد بمضمون الْكَرم
وَقد خصت لَيْلَة ظُهُوره وَيَوْم سطوع ضوء نوره بخصائص لَا تتناهى ومزايا لَا تضاهى وَلَا تباهى إِذْ هُوَ سيد ولد آدم ومعولهم وَخَاتم النَّبِيين وأولهم فصلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الطيبين وَسلم تَسْلِيمًا وعَلى الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ
(بَدَت لنا فِي ربيع طلعة الْقَمَر ... من وَجه من فاق كل البدو والحضر)
(تجمع الْحسن فِيهِ فَهُوَ واحده ... وَكَانَ فِي صُورَة فاقت على الصُّور)
(إِن لم أزر قَبره يَا سعد فِي عمري ... من بعد هَذَا الجفا يَا ضَيْعَة الْعُمر)
1 / 32
(صلى عَلَيْهِ إِلَه الْعَرْش مَا صدحت ... حمائم الْوَرق فِي الآصال وَالْبكْر)
وَمِمَّا مدح بِهِ شهر مولده الشريف
(لهَذَا الشَّهْر فِي الْإِسْلَام فضل ... ومنقبة يفوق على الشُّهُور)
(فمولود بِهِ وَاسم وَمعنى ... وآيات بهرن لَدَى الظُّهُور)
(ربيع فِي ربيع فِي ربيع ... وَنور فَوق نور فَوق نور) وَمن كَلَام سيدنَا الْعَبَّاس عَم رَسُول الله ﷺ
(وَأَنت لما ولدت أشرقت ... الأَرْض وضاءت بنورك الْأُفق)
(فَنحْن فِي ذَلِك الضياء وَفِي ... النُّور وسبل الرشاد نخترق)
1 / 33
الْآيَات الَّتِي ظَهرت بمولده ﷺ
لما ولد الرَّسُول الْمُصْطَفى وقرت بِهِ عُيُون أهل الوفا والصفا وَظهر إِلَى الْوُجُود رَحْمَة إِلَى جَمِيع النَّاس وكسي من أَجله الْوُجُود أَفْخَر لِبَاس وَفتحت أَبْوَاب الْجنان وتزخرفت لقدومه استبشارا وخمدت النيرَان وأغلق مِنْهَا الْأَبْوَاب منَّة وإشعارا وَانْشَقَّ عِنْد ذَاك إيوَان كسْرَى لهيبته حَتَّى سمع الْقَوْم صَوت انصداعه ورجته وَسَقَطت مِنْهُ أَربع عشرَة شرفة كَمَا رَوَاهُ الْقَوْم وَأخْبر من رَآهُ أَن الشق طولا فِي سقفه وَهُوَ بَاقٍ إِلَى الْيَوْم وخمدت نَار فَارس الَّتِي كَانُوا يعبدونها وَلم تخمد قبل ذَلِك بِأَلف عَام بل كَانُوا يوقرونها فَلَمَّا خمدت يَوْم المولد الشريف لم يقدر على إيقادها القوى مِنْهُم وَلَا الضَّعِيف وغاضت بحيرة ساوة بعد أَن كَانَت السفن فِيهَا تركب فأضحت لَيْلَة المولد الشريف وأرضها يابسة وَمِنْهَا يتعجب
وحرست السَّمَاء بِالشُّهُبِ وَمنع مِنْهَا كل شَيْطَان وتكسرت تَعْظِيمًا لَهُ الْأَصْنَام والصلبان
1 / 34
وانفلقت عَنهُ البرمة الَّتِي وضعت عَلَيْهِ فرْقَتَيْن وشق بَصَره ينظر إِلَى السَّمَاء رَأْي الْعين
قَالَت أمه لما وَلدته خرج من فَرجي نور أَضَاء لَهُ قُصُور الشَّام فسبحان من حباه الْهِدَايَة والعناية وَالْبر وَالْإِكْرَام وَقَالَ فِي حَقه إِظْهَارًا لعلو فَضله وتذكيرا ﴿يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجا منيرا وَبشر الْمُؤمنِينَ بِأَن لَهُم من الله فضلا كَبِيرا﴾
(وَلكم رَأينَا آيَة مَشْهُورَة ... نَص الْكتاب بهَا غَدا مَشْهُورا)
(خمدت لَهُ نَار الْمَجُوس ونكست ... أصنامهم ودعوا هُنَاكَ ثبورا)
(وأتى بشيرا بالهداية والتقى ... فلكم سيدعو هاديا وبشيرا)
1 / 35
وَمن أحسن مَا نظم
(ومولده قد كَانَ فِيهِ عجائب ... ونكست الْأَصْنَام حَقًا بِلَا مرا)
(وإيوان كسْرَى قد تصدع هَيْبَة ... لطه رَسُول الله أفضل من قرا)
(وأخمدت النيرَان فِي أَرض فَارس ... وبشرت الرهبان قولا تسطرا)
(وأصبحت الأكوان تزهوا تفاخرا ... بوجدان من بِالْفَضْلِ قد زَان الورى)
(فصلى عَلَيْهِ الله رَبِّي مُسلما
(... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .)
رضاعه ﷺ
لما برز إِلَى الْوُجُود ذَلِك الحبيب المحبوب وَشرح الله بِهِ الصُّدُور وَأنزل حبه فِي الْقُلُوب أَرْضَعَتْه أمه سَبْعَة أَيَّام ثمَّ أَرْضَعَتْه بعد ذَلِك ثويبة لَا على الدَّوَام بل أَتَت حليمة السعدية فتولت رضاعه فَكَانَ لَهَا خير
1 / 36
تِجَارَة وصناعة قَالَت لما وَضعته فِي حجري أقبل عَلَيْهِ ثدياي بِمَا شَاءَ من اللَّبن فَشرب حَتَّى روى مَحْفُوظًا بالعناية محفوفا بالمنن وَشرب أَخُوهُ عبد الله تَعْنِي ابْنهَا ثمَّ نَام وَمَا كَانَ فِي ثديها مَا يغذيه قبل أَن ترْضع خير الْأَنَام وَدرت شياهها بِاللَّبنِ بعد أَن كَانَت لَا تروى ناهلا وأسرعت أتانها فِي السّير بعد الضير وَكَانَت ثاقلا
وَأسْلمت حليمة على الْمَشْهُور وعدت من الصحابيات وحفتها الْعِنَايَة معْجزَة لسَيِّد السادات وَخير البريات
(فازت حليمة من رضَاع مُحَمَّد ... خير الورى طرا بأعظم مقصد)
(نَالَتْ من البركات حِين مَضَت بِهِ ... والسعد قارنها بطلعة أَحْمد)
(قد در مِنْهَا الثدي حِين رضاعه ... أمنت بِهِ من كل جهد مجهد)
(وأتانها للركب قد سبقت بهَا ... فَرحا وتيها بالرسول الأمجد)
(أغنامها صَارَت شباعا كلما ... سرحت تجود لَهَا بدر مُزْبِد)
(وَرَأَتْ من الْخيرَات وَهِي تحفها ... وَالنَّاس فِي مَحل وعيش أنكد)
1 / 37
(نَالَتْ بِهِ كل المسرة والهنا ... فَهُوَ الَّذِي قد سَاد كل مسود) ﷺ ذكر شقّ صَدره الشريف
لما بلغ سنه ﷺ ثَلَاث سِنِين وَقيل أَرْبعا حسب مَا قيل عَمَّن فِي رِوَايَته سعى شقّ صَدره الشريف وَهُوَ فِي دَار بني سعد عِنْد حليمة وحف بالمكارم وملىء بالأخلاق الْعَظِيمَة
ثمَّ لما بلغ من الْعُمر عشرَة أَعْوَام ومنحه الله الْهِدَايَة وَالْبر والإنعام شقّ صَدره الشريف مرّة ثَانِيَة وَغسل وملىء إِيمَانًا وَحِكْمَة زاكية
ثمَّ لما بَعثه الله رَحْمَة للْعَالمين شقّ صَدره وملىء من الْحِكْمَة وَالْيَقِين
وشق رَابِعا فِي لَيْلَة الْإِسْرَاء والمعراج كَمَا سطر وَحصر عِنْد طوائف الْعلمَاء وحرر
وَكَانَ عِنْد شقّ صَدره الشريف يزْدَاد شرفا وَيُعْطِي من الرشاد عزة وتحفا
(وشق صدر الْمُصْطَفى وَهُوَ فِي ... دَار بني سعد بِلَا مرية)
1 / 38
(كشقه وَهُوَ ابْن عشر وَفِي ... معراجه وَقبل فِي الْبعْثَة)
وَفَاة أمه آمِنَة وكفالة جده عبد الْمطلب لَهُ
لما بلغ عمره ﷺ سِتّ سِنِين وقرت بِهِ أعين أَهله الفائزين خرجت بِهِ أمه إِلَى الْمَدِينَة لزيارة أخوال أَبِيه بني النجار ومعهما أم أَيمن حاضنة الرَّسُول الْمُخْتَار فأقاموا شهرا ثمَّ خَرجُوا رَاجِعين إِلَى الْحرم فَلَمَّا كَانُوا بالأبواء مَاتَت أم سيد الْأُمَم فَدخلت بِهِ أم أَيمن إِلَى مَكَّة وضمه جده إِلَيْهِ وَكَانَ يعلى مَنْزِلَته ويرق عَلَيْهِ وَيَقُول إِن لوَلَدي هَذَا شَأْنًا وَقد كَانَ مَا قَالَ وَفَوق مَا تمنى وَلم يزل يكفله إِلَى أَن بلغ ثَمَان سِنِين وَقيل تسعا وَقيل عشرا وَقيل غير ذَلِك كَمَا أثْبته من لَهُ ادّعى وَمَات جده عِنْد ذَلِك وَذهب إِلَى مَوْلَاهُ بعد أَن أوصى أَبَا طَالب بِحِفْظ رَسُول الله
(أصُول الْمُصْطَفى أَصْحَاب مجد ... لَهُم شرف يخص لَدَى الثِّقَات)
(فَمَا مِنْهُم فَتى إِلَّا ويرجى ... لفك شَدَائِد أَو معضلات)
(طَوِيل الباع شيبَة ذَا الْمَعَالِي ... كريم الخيم مَحْمُود الهبات)
1 / 39
(وصُولا لِلْقَرَابَةِ هبرزيا ... وغيثا فِي السنين الممحلات)
(عقيل بني كنَانَة والمرجى ... إِذا مَا الدَّهْر أقبل بالهبات)
ضم أبي طَالب للنَّبِي ﷺ سنة ثَمَان من الْفِيل
فَلَمَّا توفّي عبد الْمطلب ضمه عَمه أَبُو طَالب فظفر مِنْهُ بأفخر الْكُنُوز وأسنى المطالب وَكَانَ يُحِبهُ حبا شَدِيدا ويلقى عَلَيْهِ من الْكَرَامَة ظلا مديدا وَيجمع بِهِ شَمله وَيعرف بركته وفضله ويقدمه على أَوْلَاده وينشرح بمضيه إِلَيْهِ وترداده
وَخرج بِهِ إِلَى الشَّام فِي أَشْيَاخ من قُرَيْش فَذهب عَنْهُم بِصُحْبَتِهِ النصب وطاب لَهُم الْعَيْش ومروا فِي سيرهم بِالرَّاهِبِ الْمُسَمّى بحيرا فَنزل إِلَيْهِم مفارقا لعادته وصنع لَهُم طَعَاما كثيرا وَأخذ بيد سيد الراحلين والقادمين وَقَالَ هَذَا يَبْعَثهُ الله رَحْمَة للْعَالمين وَأخْبرهمْ برفعة نجومه وَسُجُود الْحجر وَالشَّجر عِنْد قدومه وَأَن الغمامة أظلته دون من قبله من الْقَوْم وَبعده وَمَا رَآهُ من صفته الَّتِي كَانَ يجدهَا مَكْتُوبَة عِنْده
وَكَانَ ﷺ إِذْ ذَاك ابْن اثنتى عشرَة سنة وشب مَعَ أبي طَالب يكلأه ويحفظه من لَا يَأْخُذهُ نوم وَلَا سنة لما يُرِيد من كرامته ويختار من نبوته وإمامته حَتَّى كَانَ أفضل قومه مُرُوءَة وجوارا وَأَحْسَنهمْ خلقا وأرفعهم
1 / 40
منارا وأجزلهم عفة وصيانة وأعظمهم حلما وَأَمَانَة لَا يُمَارِي وَلَا يداجي وَلَا يَمِين حَتَّى سمي لما جمع فِيهِ من الْأُمُور الصَّالِحَة بالأمين
(نَبِي بحيرا هام فِي در بحره ... وَفِي الْوَصْف من آيَاته حارت الْفِكر)
(نَبِي أظلته الغمامة إِذْ مَشى ... وَعَن أمره جَاءَت إِلَى نَحوه الشّجر)
(وخاطبه ظَبْي الفلاة وضبها ... ووافى إِلَى الظامي بدعوته الْمَطَر)
(عَلَيْهِ سَلام الله مَا هبت الصِّبَا ... وَمَا غرد الْقمرِي واتسق الْقَمَر)
أعمام النَّبِي ﷺ وعماته (أعمام النَّبِي ﷺ
أَبُو الْفضل الْعَبَّاس الْمَخْصُوص بأنواع من الشّرف وأجناس وَالِد الْخُلَفَاء الْكِرَام الطَّائِف العاكف بِالْبَيْتِ بَيت الله الْحَرَام
وَحَمْزَة أَسد الله وَرَسُوله والناصب للْمُشْرِكين شرك رماحه ونصوله عَاشَ سعيدا وَمَات يَوْم أحد شَهِيدا
والْحَارث أكبر وَلَده وَأول مَعْدُود من أسلحته وعدده حضر حفر
1 / 41
زَمْزَم وَكَانَ بِهِ يتَمَسَّك وَله يلْزم
وَأَبُو طَالب عبد منَاف مَعْدن الْجُود وَمَعْقِل الأضياف وَالِد أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ وناصر الْمفضل على كل نَبِي وكل ولي
وَأَبُو طَاهِر الزبير الْمَوْصُوف بِدفع الضيم والضير
وحجل الْمُسَمّى بالمغيرة صَاحب الْمَغَانِم الجزيلة والمكارم الغزيرة
وَأَبُو هِنْد الْمُقَوّم الَّذِي مَا نَام عَن حفظ الذمام وَلَا هوم
وَأَبُو نَافِع ضرار الْقَائِل إِذا حمي الْوَطِيس لَا فرار
وَمصْعَب الْمُسَمّى بالغيداق والشهير بِكَثْرَة الْخَيْر وَحسن الْأَخْلَاق
وَعبد الْكَعْبَة كاشف غمام الغموم الصعبة
وَقثم هلك صَغِيرا وَترك عَيْش أَبِيه بعد حلوه مريرا
وَأَبُو لَهب عبد الْعُزَّى الَّذِي كَانَت حمية الْجَاهِلِيَّة تؤزه أزا
عمات النَّبِي ﷺ
صَفِيَّة الوفية المؤمنة المهاجرة الزكية
والبيضاء أم حَكِيم توءمة وَالِد النَّبِي الْكَرِيم
وعاتكة مالكة الصون وَالْقدر وصاحبة الرُّؤْيَا الصادقة فِي وقْعَة بدر
1 / 42
وَأُمَيْمَة أم زَيْنَب الطاهرة زَوْجَة الْمَبْعُوث بِالْآيَاتِ الباهرة
وأروى أم طليب الَّتِي لَا نقص فِي محتدها وَلَا عيب
وبرة أم أبي سَلمَة الَّتِي رفع الْمجد لكل من وَلَدهَا علمه
فَلَقَد أحسن مطرود بن كَعْب الْخُزَاعِيّ حَيْثُ يَقُول من أَبْيَات
(يَا أَيهَا الرجل المحول رَحْله ... هلا سَأَلت عَن آل عبد منَاف)
(المنعمين إِذا النُّجُوم تَغَيَّرت ... والظاعنين لرحلة الإيلاف)
(والمطعمين إِذا الرِّيَاح تناوحت ... حَتَّى تغيب الشَّمْس فِي الرجاف)
1 / 43
حَرْب الْفجار فِي شَوَّال سنة عشْرين من الْفِيل
حضر النَّبِي ﷺ صُحْبَة أَعْمَامه حَرْب الْفجار متدرعا لأمه الشّرف مُتَقَلِّدًا سيف الفخار فَجعل ينبل عَلَيْهِم وَيرد مَا يَقع من سِهَام عدوهم إِلَيْهِم وَكَانَ الَّذِي أوقد النَّار وهيج الضرام قتل البراض بن قيس عُرْوَة الرّحال فِي الشَّهْر الْحَرَام فثارت أعصار الْفِتْنَة وطارت غربان المحنة وتأهب قُرَيْش وَقيس عَاما لهَذِهِ الْحَرْب ثمَّ التقى الْفَرِيقَانِ لَا يفرقون من الطعْن وَالضَّرْب فَقتل مِنْهُم خلق كثير وَكَانَت الكرة على قيس فِي الْأَخير ثمَّ سكنوا وللسلم جنحوا وَاتَّفَقُوا على دِيَة الْقَتْلَى واصطلحوا
وَفِي قتل عُرْوَة يَقُول لبيد بن ربيعَة من أَبْيَات
(وَبلغ إِن عرضت بني ثمير ... وأخوال الْقَتِيل بني هِلَال)
1 / 44