Muqaddima Li Dirasat Balaghat Carab
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
Genres
Satire ، الذي ذم فيه مذاهب البلاغة اللفظية من سنة 1660 إلى سنة 1705، وأيد بوالو في كتبه مذهب تقليد القدماء، قال: «إذا قلنا بتقليد البلاغة القديمة ، فليس ذلك حبا في تقليد بندار أو هوميروس الشاعرين اليونانيين، بل لموافقتها للطبيعة العقل؛ لأنها تقليد لطبيعة الإنسان، ووصف للحياة وصفا بعيدا عن المبالغة.» وقال: «إن الآراء المبنية على التعقل هي التي توجد الصلة بين أفراد الإنسان.» يريد بذلك أن البلاغات من نظم ونثر عبارة عن حقائق ثابتة، ولا يريد بالحقائق الحقائق التاريخية؛ أي إنه لا يلزم من كتابة شيء حصوله، بل يريد الحقائق الإنسانية كما يقولون، وهي ما يقع مثلها بين الناس؛ كما في بلاغة اليونان مثلا، فإنها تكاد تكون كلها خرافية. ولكن بها كثيرا من الحقائق التي هي في طبيعة الإنسان، تمثل عواطفه وحواسه تمثيلا تاما، قال بوالو: «وبقدر مطابقة البلاغة للحقائق يكون نصيبها من الجمال؛ لأن العقل لا يقبل غير الحقائق، ولأجل أن يكون الكلام حقيقيا لا بد أن يكون موافقا للطبيعة.» أي لما نعهده من الأشياء التي نراها؛ فالموضوعات الشعرية لا تكون جميلة إلا إذا مثلت الطبيعة تمثيلا تاما. قال: «وكل هذا ينطبق على البلاغة القديمة؛ لأنها بلاغة إنسانية - قبل كل شيء - تمثل الإنسان وخواصه النفسية، وهذا هو السبب في جمالها وعذوبتها، وقبولها في كل زمن وعند كل أمة.»
فمذهب بوالو في النقد مذهب مبني على تقليد طبيعة الأشياء ورسم الحياة كما هي. ولكنه لم يرد إلا جهة الجمال والخير، قال: «لأن البلاغة تقصد إلى إظهار الجمال، فلا بد من تجنب كل ما يخالف ذلك، أو يؤدي إلى عكس هذا، فهي من فنون الجمال. فإذا خرجت عن ذلك لا تعد من الفنون في شيء.» وكان يقصد أيضا من تقليد الطبيعة الأشياء العامة التي توجد في طبيعة الإنسان، فإذا كتب الكاتب عن «نيرون» مثلا، فإنه لا يكون غرضه شخص «نيرون»، وإنما يقصد وصف خلق الظلم والاستبداد الكامن في نفس الإنسان؛ فلا بد من محو «الشخصيات» ومميزات الأفراد في البلاغة، بل يصف الكتاب النفوس العامة، والفضائل العامة، والطبائع العامة، كما في البلاغة القديمة، وكما فعل كرني
Corneille ، وراسين
Racine ، وموليير
Moliére
في كتاباتهم وقصصهم التمثيلية التي بقيت إلى الآن، ولا يزال الناس يتذوقونها من أجل ذلك.
1
القدماء والمحدثون في فرنسا
كان المذهب الأدبي الذي انتشر في فرنسا منذ منتصف القرن السادس عشر إلى أواخر القرن السابع عشر، مبنيا على تقليد البلاغة اليونانية والرومانية القديمة، ولم يكن الإعجاب بالقديم لأنه قديم فقط؛ بل لأنها بلاغة طبعية حقيقية قريبة من تمثيل الطبيعة الإنسانية والحياة المادية والعقلية، كما لاحظ النقاد الشهير بوالو. ثم هي حقيقية في معانيها خالية من المبالغة التي تضر بالمعنى، وخالية من الخيال الذي يبعد عن الحقيقة، وقد وصل الإعجاب بالقدماء إلى أقصى ما يمكن؛ حتى لقد كان يخيل إلى كبار الأدباء أنه ليس هناك موضوع يصح أن يطرقه الكتاب والمفكرون إلا ما كان جزءا من التاريخ القديم، أو تقليدا لشاعر أو كاتب يوناني أو روماني.
ولكن تشعب من هؤلاء الأدباء - الذين ربت عقولهم هذه الآداب وهذبت من ذوقهم - فرقتان: فرقة مزجت الفلسفة بفنون الكتابة، وحرمت التقليد، وقالت: إن كل إنسان له أن يعتمد على استعداده الخاص، وأن يكون دليله في كل ما يكتب ويفكر العلم والفلسفة، وأن كل طريق يخالف ذلك يكون متهما في صحته ومطعونا في أصله، وتظاهرت هذه الفرقة بالعداء لأنصار القديم. وفرقة أخلصت في حبها للقدماء، وفي اقتفاء آثارهم، وهم الأدباء الخلص الذين لم ينظروا للبلاغة إلا من حيث إنها فن من فنون الجمال، ورأوا حاجاتهم شديدة إلى تقليد بلاغة القدماء للوصول إلى غرضهم؛ لأنها أمتن وأمتع ما تكون بلاغة وصناعة؛ ولذلك كانوا يدعون إلى التمسك بمذهبهم، والإعجاب بالقدماء، وكان من أنصارهم كبار الكتاب والشعراء في القرن السابع عشر، وقد انتشر المذهبان وتنازعا البقاء نحو أكثر من نصف قرن، أي منذ ظهور كتب ديكارت الفيلسوف (سنة 1637)، التي انتشرت منها فكرته القائلة «بأن الفكر الإنساني سائر دائما إلى الرقي» إلى أواخر القرن السابع عشر، حين ألقى شارل بيرو
Unknown page