Munqidh
المنقذ: قراءة لقلب أفلاطون (مع النص الكامل للرسالة السابعة)
Genres
19
حركة النفس «ديناميتها» هي القوة الوحيدة التي تحقق المشاركة في المثل «أو هي الأنتليخيا بتعبير أرسطو وليبنتز»، والنفس تنتمي لعالم الصيرورة والضرورة والتجربة ولكنها لا تستغرق فيه، بل تسعى للعلو عليه. غير أنها تواجه دائما بالمقاومة، إما بسبب الجسد ووجودها في عالم المكان والزمان الخاضع للضرورة، أو بسبب طبيعة الفكر نفسه. فالفكر حوار، اختيار بين لا ونعم، وكذب وصدق، وشر وخير، والنفس هي المجال الوحيد للحوار بين الطرفين.
تتميز النفس عن الجسد والأجسام المحسوسة - كما تقدم - بأنها مبدأ حركتها الذاتية، كما تتميز عن المثل - التي هي نماذج وغايات وأهداف في ذاتها - بأنها حركة مندفعة مشتاقة إلى هذه المثل.
وحيث تكون الصيرورة تكون المشاركة والشوق، يكون الوجود واللاوجود.
والقوة الوحيدة التي يمكنها التوحيد بين الوجود واللاوجود هي النفس التي تسعى للكمال وتشتاق للمشاركة في المثل والنماذج الأصلية، «واللاوجود تصور حدي، هو «الغير» من الناحية الجدلية؛ لأنه «غير» كل ما هو واقعي؛ ولهذا لا يعبر عنه إلا بالأسطورة. لقد خلقه الله أو الخير المطلق، عندما خلق الوجود، ولكنه حدد له مكانه ودوره، لكي تكون الظواهر ظواهر، ولكي يفنى ما في الزمن ويبلى. ويبقى الله - وهو قمة الوجود ومصدره - مختلفا عن اللاوجود اختلافا أساسيا، فعلاقته به كعلاقة المربية بالطفل الذي لم تلده ولكنها ترعاه ... ويبقى اللاوجود - الذي يعجز الفكر عن تبرير خلقه، فيلجأ للأسطورة في «طيماوس» - في صورة السلب، فهو شرط تعدد المثل وكثرتها وغيريتها، وهو كذلك شرط تعدد سبل المعرفة العقلية ومراحلها».
بالنفس - التي تملك قوة المشاركة - وبمشيئة الله - الذي يهدي الكائنات الناقصة للكمال - يمكن أن يتحد الأرضي وفوق الأرضي، أن يمتد الجسر على الهاوية الفاغرة الفم.
هل يمكن أن يلتئم الصدع؟ هل يمكن أن تتحد الثنائية؟ هذا هو واجب الإنسان، هو - بالتعبير الحديث - مسئوليته والتزامه، من ناحية المعرفة وناحية الأخلاق والسياسة. لن نفهم هذه الثنائية حتى نفهم أن معرفة المثل تحررنا وتمكننا من السعي إليها والعمل على تحقيقها، بقدر الطاقة والإمكان ! حتى نفهم أيضا ما يحول بيننا وبين هذا التحرر من معوقات وضغوط وأوهام و«أصنام». وأول هذه الأصنام هي الكلمات التي تقيدنا منذ الطفولة وتجعلنا عبيدا للظلال والأصداء «حيث يعيش السفسطائي في ظلام اللاوجود، يفسد ويخادع في كهف لم يتحرر منه بعد ...»
هذه الثنائية أو التضاد الأساسي يقوم بين الخير الذي يحررنا «وتمثله كل المثل» والضرورة الآلية التي تقيدنا «كأننا مجرد أجسام لا عقول مفكرة.»
هذه الثنائية: بدلا من أن تلعنها «كما فعل نيتشه ويفعل اليوم كثير من المشوشين» حاول أن تقهرها! لن تقهرها حتى تصبح حرا.
ومن الحر؟! من - بالفكر وبالعقل - اتجه إلى المثل فلم تستعبده الأشياء، من رفض حياة في كهف لا يشهد فيه إلا الأشباح ولا يسمع غير الأصداء، من فك قيود الليل، الجهل، الذل، وخرج - نبيلا وشجاعا - كي يغزو النور ... من أنقذ نفسه، كي ينقذ غيره ...
Unknown page