Munāẓarāt Ibn Taymiyya maʿa fuqahāʾ ʿaṣrih
مناظرات ابن تيمية مع فقهاء عصره
Publisher
دار الكتاب العملي
Publication Year
1405 AH
الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة(١) على ما رووه عنه، والقرآن يخالف ذلك لأنه تعالى قال: ﴿وورث سليمان داود﴾(٢) وقال: ﴿فهب لي من لدنك ولياً يرثني﴾(٣).
ابن تيمية : قولك ((رواية انفرد بها)) كذب، بل رواه عن النبي ﷺ أبو بكر، عمر، عثمان، علي، طلحة، الزبير، عبد الرحمن بن عوف، العباس، أزواج النبي ﷺ، وأبو هريرة رضي الله عنهم. وقولك: ((كان الغريم لها)) كذب لأن أبا بكر رضي الله عنه لم يدع التركة لنفسه، وإنما هي صدقة لمستحقها، وأيضاً فتيقن الصحابة وأولهم علي رضي الله عنه أن النبي ﷺ لا يورث ولهذا لما ولي علي رضي الله عنه الخلافة لم يقسم تركة النبي ﷺ ولا غيرها عن مصرفها. ثم قوله تعالى: ﴿وورث سليمان داود﴾ لا يدل إذ الإِرث إسم جنس تحته أنواع والدال على ما به الاشتراك لا يدل على ما به الامتياز، ولفظ الإِرث يستعمل في لفظ إرث العلم والملك وغير ذلك. قال تعالى: ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا﴾(٤) وقال تعالى: ﴿وتلك الجنة التي
(١) يقول ابن قتيبة رحمه الله: ((ومن الدليل أيضاً على أن رسول الله ﷺ لا يورث، أنه كان لا يرث بعد أن أوحى الله تعالى إليه، وإنما كانت وراثته أبويه قبل الوحي)) اهـ.
[راجع مناقشة ابن قتيبة لهذه القضية في كتابه القيم ((تأويل مختلف الحديث)) (ص ٣٠٠: ص ٣٠٥). ط. دار الجيل] وفي هذه المناقشة يسأل ابن قتيبة:
كيف يسوغ لأحد أن يظن بأبي بكر رضي الله عنه أنه منع فاطمة حقها من ميراث أبيها، وهو يعطي الأحمر والأسود حقوقهم؟؟! وما معناه في دفعها عنه، وهو لم يأخذ لنفسه، ولا لولده، ولا لأحد من عشيرته؟!
(٢) النمل (١٦/٢٧) قال الصابوني: ورث سليمان أباه في النبوة والعلم. وقال الكلبي: (ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيه سواء) راجع الجامع لأحكام القرآن (١٣/١٦٤).
(٣) مريم (٦/١٩) راجع تفسير هذه الآية في الفخر الرازي الكبير (٢١/١٨١) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١١/٨٣) ط. دار الكتب.
(٤) فاطر (٣٢/٣٥) يقول الإمام الزمخشري رضي الله عنه في كشافه ((الذين اصطفاهم الله هم أمة محمد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة)) اهـ. (٣/٤٨٤).
38