143

Muluk Tawaif

ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام

Genres

وقد رد الباحثون أصل ذلك إلى الفلك، فعدد سبعين هو خمس أيام السنة القمرية القديمة، وعدد اثنين وسبعين هو خمس أيام السنة الشمسية.

وقد أخذت هذه الفكرة من الديانة المجوسية، وفي كتاب «ياسنا» فيما أعرف - أقدم مثال ذكر فيه هذا العدد - فهذا الكتاب يحوي اثنين وسبعين بابا، وذلك التقسيم - كما يقول «هوج» - لم يكن جزافا، بل وضع عن خبرة وتقدير؛ فإن البابين في هذا الكتاب وهما الواحد والستون والثاني والسبعون متشابهان، والباب الثامن عشر لا يحوي غير أشعار من قسم «الغطاس» في كتاب «ياسنا».

8

وبعبارة أخرى ترى أن كتاب «ياسنا» قسموه في أول الأمر إلى سبعين بابا (خمس أيام السنة القمرية) ثم مضى على هذا التقسيم زمن طويل، فقسموا هذا الكتاب بعد ذلك إلى اثنين وسبعين بابا (خمس أيام السنة الشمسية) وفي العهد الذي نفي فيه «بابليون» تسربت هذه الفكرة إلى اليهود مع غيرها من جمهرة الأفكار الأخرى.

ثم انتقلت بعد ذلك - مع الزمن - من اليهود إلى المسلمين.

وكان المسلمون يجهلون أصل هذه الفكرة، وقد كانوا خلقاء أن ينسبوا تلك الرموز العددية إلى كتاب «ياسنا»، بل ما كان أجدرهم أن ينسبوها إلى مصادرها الأربعة التي أخذت عنها وأصبحت عددا أكبر من رقم 72 وقد عناهم أن ينسبوا إليهم وحدهم هذا الرقم. •••

ومتى أقررنا ذلك أصبحنا جديرين ألا نأخذ بهذه الأرقام وألا نتشبث بحرفيتها، وإن أبى رجال اللاهوت من المسلمين إلا أن يتشبثوا بها ويؤمنوا بصحتها، وقد تم لهم ذلك ورأوا من واجبهم أن يصلوا بالفرق الإسلامية إلى هذا الرقم.

على أن لحظة من لحظات الروية والتفكير كانت جديرة أن تقفهم على خطل هذا الرأي وأفنه. ولنأخذ الشهرستاني مثلا للتدليل على صحة ما نقول - وهو من رجال القرن الثاني عشر - فقد تأثر بهذا الرقم 73 وما كان أجدره أن يتريث ويمعن الفكر ويطيل الروية ليعلم أن هذا العدد عرضة للزيادة والنقص - كما أثبتت الحوادث صحة هذه النظرية في المستقبل - ولكنه أثر التشبث بهذا الرقم، وقد جره ذلك إلى نتيجة تافهة قليلة الخطر، ولم يصل به تمسكه بهذا الرقم 73 (لا أكثر ولا أقل) إلى غاية محمودة موفقة.

ولو أنه أطال الروية لأمن العثار والزلل كما أمنه من جاء بعده من الباحثين الذين لم يبهر أبصارهم هذا الرقم الخلاب. •••

والحق أن هذا الرقم الخاطئ 73 وهذا الرأي المأفون الذي دفعهم إلى التشبث به قد وصلا بمن أخذ بهما إلى نتائج معتسفة شوهت تاريخ الإسلام إلى مدى بعيد، وأدخلت فيه من ألوان التعقيد والغموض ما أفسد بساطته ويسره.

Unknown page