ذهبت كزائر، وطرقت الباب، فتحت جان الباب. قالت: تفضل. استغربت من عدم دهشتها وعدم اهتمامها من أكون.
دخلت وجلست على كرسي أحمر نظيف جدا، رائحة المر تفوح منه.
أتخيل من بعيد أن هناك رجلا يجلس على كرسي على شكل هلال، تأكدت أنه زوجها الذي تغيرت لأجله.
بعد ست وثلاثين ثانية جاءت بشراب أحمر اللون، الكأس كان مكتوبا عليه كلمة «درويدس».
زوجها العزيز
نحن يا نضال استفدنا من دخولك بيت جان، لولا ذلك لكنا على ضفة نهر يسير أمامنا، ونريد أن نعبر إلى الضفة الأخرى. يصبح الشك إجابة لنا؛ هل الماء عميق ؟ هل يوجد تمساح في النهر؟ هل تبللت ملابسنا؟ لكن الأجوبة عن كل هذه الأسئلة هي الدخول في النهر، ونحن دخلنا النهر معا.
أنا سأشارك بقصة بسيطة ربما تحصل مع الكثير دون الانتباه إلى العواقب في حياة الزواج؛ وأنت تشرب العصير بالكأس درويدس دخلت من خلف ظهرك، وأخذت مذكرات زوجها، لم يكن مرتاحا إطلاقا؛ فقد كانت تفوح رائحة الحزن والغضب من كل جزء في كيانه؛ مما تفعله به زوجته. وتكرر كثيرا قوله: لم أقصر معها إطلاقا؛ فكثيرة هي الهدايا التي قدمتها لها، وكثيرة هي مرات الخروج معها لغداء أو عشاء، وكريم أنا مع أهلها، ولكنها نجحت في دفعي لكراهية الزواج وكراهية معشر النساء عموما من كثرة إذلالها لي. فأنا لم أعد أطيق الحياة معها؛ فهي في معظم الأوقات غير راضية، عنيدة، تهجرني ولا تكلمني بالأيام الطوال، فهل يتوجب علي الاحتفاظ بها مع كل هذه المرارة التي أتجرعها من جراء العيش معها؟
كتب أيضا في مذكراته أنه في يوم ما سيفتعل معها مشكلة، لكن بطعم المزاج ...
في يوم خططت أن أفعل معها هذا، لكن سبقتني وسألتني: ما نوع العصير الذي ترغب به، عصير البرتقال أم عصير الفراولة؟ رددت: لا أريد أن أشرب شيئا؛ فما تجرعته من مرارة العيش يكفيني. همهمت: أنا جادة في سؤالي: أي النوعين تفضل؟ قلت: إن كنت مصرة فعصير البرتقال. قالت: هل تفضل أن تشربه بكأس من الزجاج أم من البلاستيك أم بإناء من المعدن؟ بحركة خفيفة برأسي رددت: بل في كأس من الزجاج. قالت: هل تريدها كأسا نظيفة أم لا بأس لو كانت آثار بصمات الأصابع عليها؟ قلت: بل نظيفة، ولا آثار للأصابع عليها. قالت: هل تفضل الكأس على صينية من البلاستيك أم من المعدن؟ رددت: بل على صينية من المعدن. قالت: هل تمانع لو كان بها بعض الصدأ؟ مع شدة بالرد: لا، بل أريدها صينية معدنية سليمة من الصدأ. قالت: هل تفضلها فضية أم ذهبية أم خليطا من الاثنين؟ قلت: بل فضية اللون. زادت سلسلة الاختيارات وقالت : هل تفضل أن تشرب كأس العصير في غرفة مكيفة أم في غرفة حارة؟ قلت: بل في غرفة مكيفة طبعا. قالت: هل يسرك أن تكون للغرفة نافذة ذات إطلالة جميلة، أم غرفة بلا نوافذ؟ رددت: بل غرفة بنوافذ مطلة على منظر جميل. سألت: هل تفضل أن تتناول عصيرك وأنت جالس على كرسي مريح أم واقف؟ قلت: بل على كرسي مريح. قالت: هذا ما تريده أنت كي تشرب كأسا من العصير! قلت: نعم. قالت: لو أني قدمت لك الفراولة بدلا من البرتقال، باعتبار أن البرتقال متاح في كل وقت، أما الفراولة الطازجة فلها مواسم وهذا موسمها، وفي كأس من الزجاج عليها آثار بصمات الأصابع، باعتبار أن البصمات من الخارج ولا دخل لها بطعم العصير، وعلى صينية من البلاستيك، باعتبار أن الصينية هي الأخرى لا علاقة لها بالعصير، وفي غرفة حارة لأن التكييف مؤذ للصحة، ولم أضع لك كرسيا في تلك الغرفة حتى لا يضيع وقتك، باعتبار أن الوقت من ذهب إن لم تقطعه قطعك، وفي غرفة بلا نوافذ لأن كثرة النوافذ تشتت انتباهك؛ لو أني قدمت لك كل هذا بطريقتي وبما يرضيني أنا وليس بالطريقة التي ترضيك أنت، هل كنت ستصبح سعيدا بذلك؟ قلت: طبعا لا. قالت: أخشى أن أقدم الكثير لك بالطريقة التي ترضيك، وليس بالطريقة التي أرضاها، وأخشى أيضا أن أعيش لأرضيك فقط. إن المصيبة ستكون كبيرة، عندها سنسير أنا وأنت باتجاهين متعاكسين، وهيهات أن نلتقي. وقتها أسندت ظهري إلى الكرسي، وحملت رأسي بين يدي كأن ما سمعته قد أثقلني، قلت: ربما فعلا هذا ما يحدث بيني وبينك.
تجارب
Unknown page