Mukhtasar Zad Macad
مختصر زاد المعاد
Publisher
دار الريان للتراث
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م
Publisher Location
القاهرة
بذرا ألبتة، وهذا مقطوع به، حتى قال بعض أهل العلم: لَوْ قِيلَ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ مِنَ الْعَامِلِ لَكَانَ أقوى، والذين اشترطوه من رب المال ليس معهم حجة أصلا أكثر من القياس على المضاربة، وهذا إلى أن يكون حجة عليهم أقرب، فَإِنَّ فِي الْمُضَارَبَةِ يَعُودُ رَأْسُ الْمَالِ إِلَى الْمَالِكِ وَيَقْتَسِمَانِ الْبَاقِيَ، وَلَوْ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ، فَسَدَتْ عِنْدَهُمْ، فَلَمْ يُجْرُوا الْبَذْرَ مَجْرَى رَأْسِ الْمَالِ، بَلْ أَجْرَوْهُ مَجْرَى سَائِرِ الْبَقْلِ، وأيضا فإن البذر جار مجرى الماء والمنافع، فإن الزرع لا يكون بِهِ وَحْدَهُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ السَّقْيِ والعمل، والبذر يموت وَيُنْشِئُ اللَّهُ الزَّرْعَ مِنْ أَجْزَاءٍ أُخَرَ تَكُونُ مَعَهُ مِنَ الْمَاءِ وَالرِّيحِ وَالشَّمْسِ وَالتُّرَابِ وَالْعَمَلِ، فحكمه حُكْمُ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَرْضَ نَظِيرُ رأس المال، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُزَارِعُ أَوْلَى بِالْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالْمُضَارِبِ، فَالَّذِي جاءت به السنة هو الموافق للقياس.
وفيها عقد الهدنة من غير توقيت، بل متى شاء الإمام، ولم يجئ بعدها ما ينسخه ألبتة، لكن لا يحاربهم حتى يعلمهم على سواء، ليستووا هو وهم في العلم بنقض العهد.
وفيه جواز تعزير المتهم بالعقوبة، فإنه سبحانه قادر أن يدل رسوله ﷺ على الكنز، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يَسُنَّ لِلْأُمَّةِ عُقُوبَةَ الْمُتَّهَمِينَ، وَيُوَسِّعَ لَهُمْ طُرُقَ الْأَحْكَامِ رَحْمَةً بِهِمْ وَتَيْسِيرًا عليهم.
وفيه الأخذ بالقرائن لقوله: «الْعَهْدُ قَرِيبٌ وَالْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ»، وَكَذَلِكَ فعل نبي الله سليمان في تعيين أم الطفل، وهو ﷺ لم يقصها علينا، أي: قصة سليمان لِنَتَّخِذَهَا سَمَرًا، بَلْ لِنَعْتَبِرَ بِهَا فِي الْأَحْكَامِ، بَلِ الْحُكْمُ بِالْقَسَامَةِ، وَتَقْدِيمِ أَيْمَانِ مُدَّعِي الْقَتْلِ هُوَ مِنْ هَذَا اسْتِنَادًا إِلَى الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ، بل ومنه رجمه الْمُلَاعَنَةِ إِذَا الْتَعَنَ الزَّوْجُ، وَنَكَلَتْ عَنِ الِالْتِعَانِ اسْتِنَادًا إِلَى اللَّوْثِ الظَّاهِرِ الَّذِي حَصَلَ بالتعانِهِ ونكولها.
ومنه قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الوصية في السفر، وأن ولي الْمَيِّتِ إِذَا اطَّلَعَا عَلَى خِيَانَةٍ مِنَ الْوَصِيَّيْنِ، جَازَ لَهُمَا أَنْ يَحْلِفَا، وَيَسْتَحِقَّا مَا حَلَفَا عليه، وهذا اللوث في الأموال نَظِيرُ اللَّوْثِ فِي الدِّمَاءِ، وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْهُ، وعلى هذا إذا اطلع الْمَسْرُوقُ مَالُهُ عَلَى بَعْضِهِ فِي يَدِ خَائِنٍ معروف وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِهِ، جَازَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ بَقِيَّةَ مَالِهِ عِنْدَهُ، وَأَنَّهُ صَاحِبُ السَّرِقَةِ اسْتِنَادًا إِلَى اللَّوْثِ الظَّاهِرِ نظير حلف أولياء
1 / 133