291

Mukhtaṣar Tafsīr Ibn Kathīr

مختصر تفسير ابن كثير

Publisher

دار القرآن الكريم

Edition

السابعة

Publication Year

1402 AH

Publisher Location

بيروت

Genres

Tafsīr
ليس له أن يتزوج بغير إذنه، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذَنْ مَوَالِيهِ فَهُوَ عَاهِرٌ» أَيْ زَانٍ، فَإِنْ كَانَ مَالِكُ الْأَمَةِ امْرَأَةٌ زَوَّجَهَا مَنْ يُزَوِّجُ الْمَرْأَةَ بِإِذْنِهَا لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا».
وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أَيْ وَادْفَعُوا مُهُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، أَيْ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْكُمْ، وَلَا تَبْخَسُوا مِنْهُ شَيْئًا اسْتِهَانَةً بِهِنَّ لِكَوْنِهِنَّ إِمَاءً مَمْلُوكَاتٍ، وقوله تعالى: ﴿مُحْصَنَاتٍ﴾ أَيْ عَفَائِفَ عَنِ الزِّنَا لَا يَتَعَاطَيْنَهُ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ﴾ وَهُنَّ الزَّوَانِي اللَّاتِي لا يمعنعن من أرادهن بالفاحشة، وقوله تعالى ﴿وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُسَافِحَاتُ هن الزواني المعلنات يَعْنِي الزَّوَانِي اللَّاتِي لَا يَمْنَعْنَ أَحَدًا أَرَادَهُنَّ بالفاحشة ومتخذات أخدان يعني أَخِلَّاءَ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يَعْنِي الصَّدِيقَ، وَقَالَ الضحاك: ذات الخليل الواحد الْمُقِرَّةُ بِهِ، نَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ يَعْنِي تزويجها ما دامت كذلك.
وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ فاحشة فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي ﴿أُحْصِنَّ﴾ فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الصَّادِ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فاعله، وقرىء بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالصَّادِ فِعْلٌ لَازِمٌ، ثُمَّ قِيلَ: مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
(أحدها) أن المراد بالإحصان ههنا الإسلام روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وقيل: المراد به ههنا التزويج وهو قَوْلِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وغيرهم، وقد روى عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إِحْصَانُ الاّمَة أَنْ يَنْكِحَهَا الْحُرُّ، وَإِحْصَانُ الْعَبْدِ أَنْ يَنْكِحَ الْحُرَّةَ، وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ فِي تفسيره، وَقِيلَ: مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ مُتَبَايِنٌ، فَمَنْ قَرَأَ ﴿أحصنَّ﴾ بضم الهمزة فمراده التزيج، ومن قرأ بفتحها فمراده الإسلام، اختاره أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَرَّرَهُ وَنَصَرَهُ؛ وَالْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحْصَانِ ههنا التَّزْوِيجُ، لِأَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَيْثُ يقول سبحانه: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ المحصنات المؤمنات فمما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات﴾، والآية الكريمة سياقها فِي الْفَتَيَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِذَآ أُحْصِنَّ﴾ أَيْ تَزَوَّجْنَ كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ عباس وغيره. وَعَلَى كُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ إِشْكَالٌ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَمَةَ إِذَا زَنَتْ فَعَلَيْهَا خَمْسُونَ جِلْدَةً سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً، مُزَوَّجَةً أَوْ بِكْرًا، مَعَ أَنَّ مفهوم الآية يقتضي أنه لا حد غير المحصنة من الإماء، وقد اختلف أجوبتهم عن ذلك، فأما الجمهور فقالوا: الْمَنْطُوقَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ عَامَّةٌ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْإِمَاءِ فَقَدَّمْنَاهَا عَلَى مَفْهُومِ الْآيَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أقيموا الحد على إمائكم من أحصن منهن وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ، فَإِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ زَنَتْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا، فَإِذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ فَخَشِيتُ إِنْ جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «أَحْسَنْتَ اتْرُكْهَا حتى تتماثل» وفي رواية: «فإذا تعافت من نفاسها فاجلدها خَمْسِينَ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِذَا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّانِيَةَ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ من شعر».
(الْجَوَابُ الثَّانِي): جَوَابُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا تُضْرَبُ تَأْدِيبًا

1 / 376