181

Mukhtaṣar Tafsīr Ibn Kathīr

مختصر تفسير ابن كثير

Publisher

دار القرآن الكريم

Edition Number

السابعة

Publication Year

1402 AH

Publisher Location

بيروت

Genres

Tafsīr
﴿وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قبل﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ أَيْ حَقِيقَةُ مَا أُخْبَرُوا بِهِ مِنَ أَمْرِ الْمَعَادِ. فَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّأْوِيلِ هَذَا فَالْوَقْفُ عَلَى الْجَلَالَةِ؛ لِأَنَّ حَقَائِقَ الْأُمُورِ وَكُنْهَهَا لَا يَعْلَمُهُ عَلَى الْجَلِيَّةِ إِلَّا اللَّهُ ﷿؛ وَيَكُونُ قَوْلُهُ ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ مُبْتَدَأً وَ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ خَبَرَهُ. وَأَمَّا إِنْ أُرِيدَ بِالتَّأْوِيلِ المعنى الآخر: وهو التفسير والبيان والتعبير عن الشيء كقوله: ﴿نَبِّئْنَا بتأويله﴾ أَيْ بِتَفْسِيرِهِ، فَإِنَّ أُرِيدَ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى فالوقف على ﴿والراسخون في العلم﴾ لأنهم يعلون وَيَفْهَمُونَ مَا خُوطِبُوا بِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِنْ لَمْ يُحِيطُوا عِلْمًا بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ عَلَى كُنْهِ مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ حَالًا مِنْهُمْ، وَسَاغَ هَذَا وإن يَكُونَ مِنَ الْمَعْطُوفِ دُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ: ﴿لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ - إلى قوله - يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لنا ولإخواننا﴾ الآية، وقوله تعالى: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ والملك صفًا صفًا﴾ أي وجاء الملائكة صفوفًا صفوفًا.
وقوله تعالى - إِخْبَارًا عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ أَيْ المتاشبه ﴿كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا﴾ أَيْ الْجَمِيعُ مِنَ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُصَدِّقُ الْآخَرَ وَيَشْهَدُ لَهُ، لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بمختلف ولا متضاد، كقوله: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فيه اختلافًا كبيرًا﴾، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أَيْ إِنَّمَا يَفْهَمُ وَيَعْقِلُ وَيَتَدَبَّرُ الْمَعَانِيَ عَلَى وَجْهِهَا أُولُو الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ وَالْفُهُومِ الْمُسْتَقِيمَةِ، وقد قال ابن أبي حاتم بسنده: حدَّثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ - وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ أنَسا وأبا أمامة وأبا الدَّرْدَاءِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ فَقَالَ: «مَنْ بَرَّتْ يَمِينُهُ، وَصَدَقَ لِسَانُهُ، وَاسْتَقَامَ قَلْبُهُ، ومن عف بطنه وفرجه، فذلك من الراسخون في العلم»، وقال الإمام أحمد بسنده: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قومًا يتدارؤن، فَقَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا؛ ضَرَبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَ كِتَابُ اللَّهِ لِيُصَدِّقَ بَعْضُهُ بَعْضًا فَلَا تُكَذِّبُوا بعذه ببعض. فما علمتم منه فقولوا به، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أحرف، والمراء في القرآن كفر - قالها ثَلَاثًا - مَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فردوه إلى عالمه ﷻ» (رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده) وقال ابن المنذر في تفسيره عن نافع بن يزيد قال: الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الْمُتَوَاضِعُونَ لِلَّهِ الْمُتَذَلِّلُونَ لِلَّهِ في مرضاته، لا يتعاظمون على من فوقهم ولا يحقرون من دونهم. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ مُخْبِرًا أَنَّهُمْ دَعَوْا رَبَّهُمْ قَائِلِينَ: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ أَيْ لَا تُمِلها عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ أَقَمْتَهَا عَلَيْهِ، وَلَا تَجْعَلْنَا كَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَلَكِنْ ثَبِّتْنَا عَلَى صِرَاطِكَ الْمُسْتَقِيمِ، ودينك القويم. ﴿وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً﴾ تُثَبِّتُ بِهَا قُلُوبَنَا، وَتَجْمَعُ بِهَا شَمْلَنَا، وَتَزِيدُنَا بِهَا إِيمَانًا وَإِيقَانًا ﴿إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ عن أم سلمة أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوهاب﴾ (رواه ابن أبي حاتم عن أم سلمة) وعن أم سلمة، عن أسماء بنت يزيد بن السكن، سمعتها تحدِّث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كان يكثر من دعائه: «اللهم

1 / 266