112

Mukhtasar Tafsir Ibn Kathir

مختصر تفسير ابن كثير

Publisher

دار القرآن الكريم

Edition Number

السابعة

Publication Year

1402 AH

Publisher Location

بيروت

- ١٦٨ - يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ - ١٦٩ - إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ لَمَّا بيَّن تَعَالَى أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَأَنَّهُ الْمُسْتَقِلُّ بِالْخَلْقِ، شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ الرزاق لجميع خلقه، فذكر فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ، فِي حَالِ كَوْنِهِ حَلَالًا مِنَ اللَّهِ طَيِّبًا أَيْ مُسْتَطَابًا فِي نَفْسِهِ، غَيْرَ ضَارٍّ لِلْأَبْدَانِ وَلَا لِلْعُقُولِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، وَهِيَ طَرَائِقُهُ وَمَسَالِكُهُ فِيمَا أَضَلَّ أَتْبَاعَهُ فِيهِ، مِنْ تَحْرِيمِ الْبَحَائِرِ السوائب والوصائل ونحوها، مما كان زَيَّنَهُ لَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، كَمَا فِي حَدِيثِ عياض بن حماد عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ كُلَّ مال منحته عِبَادِي فَهُوَ لَهُمْ حَلَالٌ - وَفِيهِ - وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ» (رواه مسلم ومعنى (اجتالتهم): صرفتهم عن الهدى إلى الضلالة) وعن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تُلَيَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا﴾ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ: «يَا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ وَالرِّبَا فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» (رواه الحافظ ابن مردويه عن عطاء عن ابن عباس). وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ تَنْفِيرٌ عَنْهُ وَتَحْذِيرٌ مِنْهُ، كَمَا قَالَ: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوًّا﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ قال قتادة والسُّدي: كُلُّ مَعْصِيَةٍ لِلَّهِ فَهِيَ مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ. وقال مَسْرُوقٍ: أُتي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِضَرْعٍ وَمِلْحٍ فَجَعَلَ يَأْكُلُ، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: نَاوِلُوا صَاحِبَكُمْ، فَقَالَ: لَا أُرِيدُهُ، فَقَالَ: أَصَائِمٌ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: حَرَّمْتُ أَنْ آكُلَ ضَرْعًا أَبَدًا، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هَذَا مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، فَاطْعَمْ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ (رَوَاهُ ابْنُ أبي حاتم عن أبي الضحى عن مسروق) وعن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ فِي غَضَبٍ، فَهُوَ مِنْ خُطُوَاتِ الشيطان، وكفارتُه كفارة يمين. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أَيْ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ عَدُوُّكُمُ الشَّيْطَانُ بِالْأَفْعَالِ ⦗١٥٠⦘ السَّيِّئَةِ وَأَغْلَظُ مِنْهَا الْفَاحِشَةُ كَالزِّنَا وَنَحْوَهُ، وأغلظُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ، فَيَدْخُلُ فِي هذا كل كافر وكل مبتدع أيضًا (رواه ابن أبي حاتم).

1 / 149