Mukhtasar Tafsir Al-Baghawi, also known as Ma'alim at-Tanzil
مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل
Publisher
دار السلام للنشر والتوزيع
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٦هـ
Publisher Location
الرياض
Genres
لَهُنَّ مِنْ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ، بِقَدْرِ مَا أَرْضَعْنَ، وَقِيلَ: إِذَا سَلَّمْتُمْ أجور المراضع إليهن، ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ (مَا آتَيْتُمْ) وَفِي الرُّومِ ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا﴾ [الرُّومِ: ٣٩] بِقَصْرِ الْأَلْفِ، وَمَعْنَاهُ: مَا فَعَلْتُمْ، يُقَالُ: أَتَيْتُ جَمِيلًا إِذَا فَعَلْتُهُ، فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَكُونُ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى الطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ، لَا بِمَعْنَى تَسْلِيمِ الْأُجْرَةِ، يَعْنِي إِذَا سَلَّمْتُمْ لِأَمْرِهِ وَانْقَدْتُمْ لِحُكْمِهِ، وَقِيلَ: إِذَا سَلَّمْتُمْ لِلِاسْتِرْضَاعِ عَنْ تَرَاضٍ وَاتِّفَاقٍ دُونَ الضِّرَارِ، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٣٣]
[٢٣٤] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٤] آي: يموتون ويتوفى آجَالُهُمْ، وَتَوَفَّى وَاسْتَوْفَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَمَعْنَى التَّوَفِّي: أَخْذُ الشَّيْءِ وَافِيًا، ﴿وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] يتركون أزواجا، ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: ٢٣٤] يَنْتَظِرْنَ، ﴿بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] أي: يعتدون بِتَرْكِ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَالنُّقْلَةِ عَلَى فِرَاقِ أَزْوَاجِهِنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ، إِلَّا أَنْ يَكُنَّ حَوَامِلَ فَعِدَّتُهُنَّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَكَانَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي الِابْتِدَاءِ حَوْلًا كَامِلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٤٠] ثُمَّ نُسِخَتْ بأربعة أشهر وعشرا وَإِنَّمَا قَالَ عَشْرًا بِلَفْظِ الْمُؤَنَّثِ لِأَنَّهُ أَرَادَ اللَّيَالِيَ، لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَبْهَمَتِ الْعَدَدَ بَيْنَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ غَلَّبَتْ عَلَيْهَا اللَّيَالِيَ، فَيَقُولُونَ صُمْنَا عَشْرًا، وَالصَّوْمُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالنَّهَارِ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: إِنَّمَا أنث العشر لأنه أراد المدة، أَيْ: عَشْرَ مُدَدٍ، كُلُّ مُدَّةِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَإِذَا كَانَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوَّجُهَا حَامِلًا فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵃. أَنَّهَا تَنْتَظِرُ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ مِنْ وَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ أربعة أشهر وعشرا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٤] أَيِ: انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٤] خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ، ﴿فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٤] أَيْ: مِنَ اخْتِيَارِ الْأَزْوَاجِ دُونَ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْعَقْدَ إِلَى الْوَلِيِّ، وَقِيلَ: فِيمَا فَعَلْنَ مِنَ التَّزَيُّنِ لِلرِّجَالِ زِينَةً لَا يُنْكِرُهَا الشَّرْعُ ﴿بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٣٤] وَالْإِحْدَادُ وَاجِبٌ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ، أَمَّا الْمُعْتَدَّةُ عَنِ الطلاق ففيها نظر، فإن كانت رجعية لا إِحْدَادَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ، لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَضَعَ مَا يُشَوِّقُ قَلْبَ الزَّوْجِ إِلَيْهَا لِيُرَاجِعَهَا، وَفِي البائنة بالخلع والطلقات الثلاث قولان، أحدهما: الْإِحْدَادُ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّانِي: لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وبه قال مالك.
[٢٣٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ [البقرة: ٢٣٥] أَيِ: النِّسَاءِ الْمُعْتَدَّاتِ، وَأَصْلُ التَّعْرِيضِ: هو التلويح بالشيء، والتعويض في الكلام بما يَفْهَمُ بِهِ السَّامِعُ مُرَادَهُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ وَالتَّعْرِيضُ بِالْخِطْبَةِ مُبَاحٌ فِي الْعِدَّةِ،
1 / 91