177

Mukhtaṣar Tafsīr al-Baghawī al-musammā bi-Maʿālim al-Tanzīl

مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل

Publisher

دار السلام للنشر والتوزيع

Edition

الأولى

Publication Year

١٤١٦هـ

Publisher Location

الرياض

Genres

اللَّهُ وَزَنَيْنَا، فَلَوْلَا هَذِهِ الْآيَاتُ لَاتَّبَعْنَاكَ، فَنَزَلَتْ ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان: ٧٠] الآيتين، فَبَعَثَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا قرؤوا كَتَبُوا إِلَيْهِ: إِنَّ هَذَا شَرْطٌ شديد نخاف ألا نعمل صَالِحًا، فَنَزَلَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨] فَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ فَبَعَثُوا إِلَيْهِ: إنا نخاف ألا نَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَشِيئَةِ فَنَزَلَتْ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزَّمْرِ: ٥٣] فَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَرَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَبِلَ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ لِوَحْشِيٍّ: «أَخْبَرْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ، قَالَ: " وَيْحَكَ غَيِّبْ وَجْهَكَ عَنِّي»، فَلَحِقَ وَحْشَيٌّ بِالشَّامِ فَكَانَ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى﴾ [النساء: ٤٨] اختلق، ﴿إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٤٨]
[٤٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ٤٩] الْآيَةَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي رِجَالٍ مِنَ الْيَهُودِ مِنْهُمْ بَحْرِيُّ بن عمر وَالنُّعْمَانُ بْنُ أَوْفَى وَمَرْحَبُ بْنُ زَيْدٍ، أَتَوْا بِأَطْفَالِهِمْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ هَلْ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنْ ذَنْبٍ؟ فَقَالَ: لَا، قَالُوا: وما نَحْنُ إِلَّا كَهَيْئَتِهِمْ، مَا عَمِلْنَا بِالنَّهَارِ يُكَفَّرُ عَنَّا بِاللَّيْلِ، وَمَا عَمِلْنَا بِاللَّيْلِ يُكَفَّرُ عَنَّا بِالنَّهَارِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: كَانُوا يُقَدِّمُونَ أَطْفَالَهُمْ فِي الصَّلَاةِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ فَتِلْكَ التَّزْكِيَةُ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حِينَ قَالُوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [الْبَقَرَةِ: ١١١] وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ﵁: هُوَ تزكية بعضهم لبعض، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي﴾ [النساء: ٤٩] أَيْ: يُطَهِّرُ وَيُبَرِّئُ مِنَ الذُّنُوبِ وَيُصْلِحُ، ﴿مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] وَهُوَ اسْمٌ لِمَا فِي شَقِّ النَّوَاةِ، وَالْقِطْمِيرُ اسْمٌ لِلْقِشْرَةِ الَّتِي على النواة، والنقير اسم للنقرة الَّتِي عَلَى ظَهْرِ النَّوَاةِ، وَقِيلَ: الْفَتِيلُ مِنَ الْفَتْلِ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ مِنَ الْوَسَخِ عند الفتل.
[٥٠] قوله تعالى: ﴿انْظُرْ﴾ [النساء: ٥٠] يَا مُحَمَّدُ، ﴿كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء: ٥٠] يختلفون على الله، ﴿الْكَذِبَ﴾ [النساء: ٥٠] فِي تَغْيِيرِهِمْ كِتَابَهُ، ﴿وَكَفَى بِهِ﴾ [النساء: ٥٠] بالكذب ﴿إِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: ٥٠]
[٥١]، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٥١] اخْتَلَفُوا فِيهِمَا فَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُمَا صَنَمَانِ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهُمَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُمَا كَلُّ مَعْبُودٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النَّحْلِ: ٣٦] وَقَالَ عُمَرُ: الْجِبْتُ: السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ. وَقِيلَ: الْجِبْتُ: الْأَوْثَانُ، وَالطَّاغُوتُ: شَيَاطِينُ الْأَوْثَانِ. وَلِكُلِّ صَنَمٍ شَيْطَانٌ،

1 / 185