[مختصر السواك]
(ق2أ)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على خير خلقه، محمد وآله وصحبه.
أخبرني أستاذي الشيخ الإمام العالم الناسك مجد الدين شرف الإسلام أبو حامد عبد الحميد بن محمد بن عبد الله، أدام الله فضله، قرأت عليه في المشهد القدس في ذي الحجة سنة ست وتسعين وخمسمائة، قال: أخبرني الشيخ الإمام السعيد رضي الدين أبو الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف القزويني الطالقاني، وبعد، فلما كان السواك من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستنان مستحب، رأينا تصنيف مختصر فيه ليكون تذكرة مني لمن استن به، فقلت وبالله التوفيق.
الكلام يتعلق فيه باثني عشر فصلا، بفضائله وبأوقات استحبابه، وبوقت وجوبه، وبوقت كراهته، وبصفته وبمقدار طوله وبكيفية الاستنان، وبكيفية أخذ السواك، وبآدابه، وبكيفية وضعه على الأرض بعد الاستياك، وبسبب استحبابه، وبسبب تسميته سواكا، ونذكر في كل فصل ما يليق به مختصرا مع الاقتصار على ذكر المتون في أكثرها، وكل هذا ليزداد تعظيم الخلق لآداب الشرع، فإن البركة في متابعة الشرع، قال الله سبحانه وتعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}.
الفصل الأول: في فضائله
1 - قال رحمه الله: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي، أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي الحيري، أخبرنا أبو علي الميداني، أخبرنا أحمد بن يحيى الذهلي، أخبرنا بشر بن عمر، أخبرنا مالك بن أنس، [عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن]، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء ". قال الشيخ أحمد بن الحسين البيهقي، رحمه الله،: هذا الحديث رواه مالك خارج الموطأ مرفوعا، ورواه في الموطأ مرفوعا والحديث في الأصل مرفوع من غير هذا الوجه.
____حاشية____
(1) ما بين معقوفتين مرسوم بالأصل هكذا وهو خطأ والصحيح كما أورده مالك في الموطأ، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. ورواه أيضا مالك في موطأه، عن أبي الزناد، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، لعله أحد النساخ أدخل الإسنادين في بعضهما البعض، والله أعلم.
Page 1
2 - قال رحمه الله: وأخبرنا أبو القاسم (ق2ب) الشحامي، أخبرنا أحمد بن الحسين، أخبرنا أبو سعد الماليني، أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المقرئ، أخبرنا محمد بن أبي السري، أخبرنا بقية، عن الخليل بن مرة، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالسواك, فإنه مطهرة للفم، مرضاة للرب، مفرحة للملائكة، يزيد في الحسنات، وهو من السنة، ويجلو البصر، ويذهب الحفر، ويشد اللثة، ويذهب البلغم، ويطيب الفم ". ورواه غيره عن الخليل, وزاد فيه: ويصلح المعدة، وهو مما تفرد به الخليل بن مرة, وليس بالقوي في الحديث.
Page 2
فهذه فوائد السواك فاعلمن ذلك، واستغنمه فإنه غنيمة لمن عقل، ويروى عن كعب الأحبار أنه قال: " من أحب أن يعبد الله تعالى فليكثر من السواك والتخلل والصلاة بهما بمائة صلاة ". وعن حسان بن عطية، أنه قال: " السواك شطر الوضوء، والوضوء شطر الإيمان ".
Page 3
الفصل الثاني، في أوقات استحبابه، اعلم أن السواك سنة في جميع أحواله في أول النهار، وفي وسطه وآخره، وإن كنت تريد الوضوء في ذلك الوقت، وقد روى عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من استاك في أول النهار وآخره كان من المقربين في الفردوس ". وقيل لا يستاك بين ذلك فقد كره ذلك لا من علة أو حاجة، وقيل من فعل ذلك ذهب ماء وجهه وضياءه، ورواه جعفر بن محمد، عن أبيه وحده، وهذا خلاف الصحاح من الأخبار في كون السواك سنة في جميع الأوقات، نعم في ثلاثة أحوال أحب، عند اصفرار الأسنان، قال صلى الله عليه وسلم:" لا تدخلوا علي قلحا". وعند تغير الفم بنوم أو أرم وهو السكوت أو غيره، وعند الوضوء أو القيام إلى الصلاة.
Page 4
3 - قال رضي الله عنه: أخبرنا أبو القاسم الشحامي، أخبرنا أبو بكر بن الحسين، أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري، أخبرنا أبو علي الميداني (ق3أ) أخبرنا محمد بن يحيى الذهلي، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعيد , أخبرنا أبي , عن ابن إسحاق , قال: وذكر محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري , عن عروة , عن عائشة , رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " فضل الصلاة بالسواك , على الصلاة بغير سواك سبعين ضعفا ".
Page 5
الفصل الثالث: في وقت وجوبه وهو في حق من يتناول الميتة عند الاضطرار فيلزمه السواك لزوال الدسوم النجسة.
الفضل الرابع: في وقت كراهيته , وهو في حق الصائم بعد الزوال قال صلى الله عليه وسلم: " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من المسك " لأنه أثر عبادة مشهود له بالطيب، فكره إزالة كدم الشهداء، وكره بعضهم الاستياك بسواك الغير، غسل أو لم يغسل، لما روى عبد الرحمن بن يزيد ن أسلم، عن أبيه، قال: قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه،: " من استاك بسواك غيره فقد انحفظ ولا كاد يشبع "، ولكن الصحيح جوازه بلا كراهة إذ قد صح أنه صلى الله عليه وسلم في مرض موته قد استاك بسواك عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه من غير غسل.
Page 6
الفصل الخامس في صفة السواك، اعلم أنه لا بأس أن يستاك بأي خشب كان، وأفضله الأراك رطبا كان أو يابسا ولا يشتد يبسه بحيث يخرج اللثة، ولا لينة ورخاوته بحيث لا يزيل القلح بل بعود بين العودين يابس قد ندى بالماء، قال رحمه الله: سئلت فما قولك في الاصبع، قلت: فيه ثلاث أوجه، أحدهما الجواز والثاني المنع والثالث وهو الأعدل إن كان خشنا جاز، وإلا فلا، فعن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الإصبع تجمع في السواك ". وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه كان إذا لم يجد السواك يمر بإصبعه السبابة مع طرف ثوبه على أسنانه ".
Page 7
الفصل السادس في مقدار طول السواك، لا يزيدن طول السواك على شبر أو دون (ق3ب) الشبر ولو قدر إصبع، فإن ما زاد على شبر ركب عليه الشيطان يلعب به، فأقصد فيه، واقتصر منه على طول شبر، فإن ذلك أدين وأجمل، وفيه السنة وفي عمل السنة أثابة الله تعالى عليه، يروى عن الربيع بن خيثم أنه مر على رجل يستاك ومعه سواك قدر ذراع، فقال الربيع: يا هذا أما علمت أن ما زاد على شبر لعب الشيطان به، وصار مركبه، فقطع منه حتى صار شبرا وأقل من شبر، ويروي إبراهيم النخعي رحمه الله أنه قال: قدر السواك شبرا أو دونه لمن استاك، فهذه قصدة فاقتصر عليه فإن في زيادته فحشا ومتلفا ولا خير فيه.
Page 8
الفصل السابع، في كيفية الاستياك به، ويستحب أن يستاك عرضا، قال علي بن أبي طالب، كرم الله وجه،: مصوا الماء مصا واشربوا اللبن كرما، واستاكوا عرضا، ويستحب أن يبدأ بالسوك في مؤخر أسنانه، فإنه أقطع للبلغم وأصفى للون، يروي عن قتادة ذلك، ثم من بعد المؤخر في أسنانه يستاك بمقدم أسنانه حتى ينقي أسنانه على ذلك، ويمر السواك فوق أضراسه على رأسها مرتين أوثلاثا، فإن فيه خيرا كثيرا، قال مجاهد رحمه الله: ... (1) بيساره، ويعمل الأعمال بيساره، فاجتنبوا الأعمال إلا من علة، واعلم أنك إذا قبضت على السواك، فاجعل إصبعك الخنصر في يمينك أسفل السواك تحته، واجعل البنصر والوسطى فوق السواك على ظهره، واجعل الإبهام تحت رأس السواك أسفلا واستك كذلك فإن السنة فيه كذلك، يروى عن عبد الله بن مسعود لا يقتضي القبضة على السواك، فإن ذلك يورث البواسير.
الفصل الثامن في آداب السواك اعلم أن المستحب أن تبلع ريقك في أول ما يستاك، فإنه ينفع للجذام والبرص وكل داء سوى الموت، ولا يبلع بعده شيئا، فإنه يورث الوسوسة، يرويه زياد بن علاقة كذلك واكبس ريقك بعد السواك أو طهره بالماء (ق4أ) تصبه عليه، ذلك من فعل الأبرار، يرويه الزهري، عن عبدالله بن عبد الله، أنه قال: فعل الأبرار كبس ريقهم في سواكهم لا يلعب به الشيطان، ولا يمص السواك بالفم مصا، فإن ذلك يورث العمى وهو من فعل الشيطان، يرويه ثابت عن أنس كذلك.
Page 10
الفصل التاسع في كيفية وضع السواك على الأرض بعد الاستياك، اعلم أن المستحب أن تضع سواكك إذا وضعته عرضا بالأرض بل تنصبه نصبا، فإنه يروى عن سعيد بن جبير، قال: من وضع سواكه على الأرض عرضا فجن في ذلك فلا يلومن إلا نفسه ولا يضعن السواك حتى يغسله، فإنه يروى عن الحسن، قال: في وضع السواك قبل أن يغسله استاك الشيطان به حتى يعود صاحبه إليه.
Page 11
الفصل العاشر في سبب تسميته سواكا روي أن جبريل عليه السلام لما أمر النبي عليه الصلاة والسلام، قال له: يا محمد سوي فاك، أي طهر فاك، فلم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم، ما يقول له جبريل فسر له السواك، فاسقطوا الفاء منه لتخفيف الكلام، فقالوا: سواك قد تفعل العرب ذلك تدغم الحروف تخفيفا، ويروى عن الحسن كذلك، وفي رواية أخرى لما بين له جبريل السواك كيف يعمل فعمل به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له جبريل: ذلك من سنة أبيك إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
Page 12
الفصل الحادي عشر في سبب استحباب السواك أعلم أنا أمرنا بالسواك لطيب الفم للقرآن لكن يجري القرآن على مجرى طيب لطيب القرآن وللملائكة الذين معك حافظتك والملك الذي يستقبلك يضع فاه على فيك، ويروي عن علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه. قال: إن العبد إذا قام الصلاة، وقام الملك خلفه فإذا قرأ القرآن دنى منه فلم يزل مجاذبا للقرآن حتى يستقبله ثم تضع (ق4ب) فاه على فيه فلا يخرج منه آية إلا في جوف الملك، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: من أكل الشجرتين يعني الثوم والكراث، فلا يقربن مسجدنا، فقيل: يا رسول الله، فإذا كان أحدنا خاليا، فقال: أن الملائكة تتأذى مما يتأذى به بني آدم.
Page 13
قال رضي الله عنه: فهذه أخبار تتعلق بالكلام على السواك على اختصار وليعلموا شرف النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الفوائد في سنة واحدة من سننه صلى الله عليه وسلم، فاستعملوا السواك فإن فيه خصالا شريفة مع ما فيه من الثواب يصفي اللون ويزيد الرجل فصاحة، والحافظ حفظا، ويجلوا البصر، وينبت الشعر إلى غيرها، والله المعين والحق المبين.
Page 14
مسألة في الإطلاء بالنورة والجواب لها.
بسم الله الرحمن الرحيم
الإطلاء بالنورة هل هو سنة مستحبة في الشارع أم لا؟ وهل الأحاديث الواردة في ذلك ثابتة أم لا، كحديث أم سلمة الذي أخرجه ابن ماجة: " أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا اطلى بدأ بعورته، بالنورة، وسائر جسده كله. ". وحديث عائشة الذي أخرجه الإمام أحمد، قالت: " طلا رسول الله صلى الله عليه وسمل بالنورة فلما فرغ منها، قال: يا معشر المسلمين عليكم بالنورة، فإنه طيب وطهوره فإن الله يذهب عنكم أوساخكم وأشقاءكم ". فإن قبلتم بأن ذلك ثابت، فما يجمع بينه وبين ما أخرجه أبي حاتم، عن أنس: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنور فإذا كثر شعره حلقه ". وقول الشيخ محيي الدين النووي، في فتاويه لم يثب في ذلك شيء؟
أفتونا مأجورين وابسطوا الجواب أثابكم الله الجنة
الجواب
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، قد وردت ... (1)
Unknown page