فمن عرف هذه القصة (١) وعرف ما عليه المشركون اليوم وما قاله ويقوله علماؤهم، ولم يميز بين الإسلام الذي أتى به النبي ﷺ، وبين دين قريش الذي أرسل الله رسوله ينذرهم عنه، وهو الشرك الأكبر: فأبعده الله. فإن هذه القصة في غاية الوضوح، إلا من طبع الله على قلبه وسمعه. وجعل على بصره غشاوة، فذلك لا حيلة فيه، ولو كان من أفهم الناس، كما قال الله تعالى في أهل الفهم الذين لم يوفقوا: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأحقاف: ٢٦] (٢) الآية.
[إسلام الأنصار]
ثم لما أراد الله إظهار دينه وإعزاز المسلمين: أسلم الأنصار - أهل المدينة - بسبب العلماء الذين عندهم من اليهود، وذِكْرِهم لهم النبي وصفته، وأن هذا زمانه وقدر الله سبحانه أن أولئك العلماء الذين يتمنون ظهوره وينتظرونه ويتوعدونهم به - لمعرفتهم أن العز لمن اتبعه - يكفرون به ويعادونه. فهو قول الله سبحانه ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٨٩] (٣) .
_________
(١) ذكر صاحب فتح الباري ج ٨ ص ٤٣٩ ط السلفية: أن القصة رويت بثلاثة أسانيد على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض قال: وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله: ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى، ثم ذكر أجوبة للعلماء في ذلك، وأحسنها القول: إن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك فتوهموا أنه صدر عن رسول الله ﷺ ذلك وليس كذلك في نفس الأمر اهـ.
(٢) من آية ٢٦ من سورة الأحقاف.
(٣) آية ٨٩ من سورة البقرة.
1 / 36