215

Mukhtaṣar Ṣifat al-Ṣafwa li-Ibn al-Jawzī

مختصر صفة الصفوة لابن الجوزى

Genres

Sufism

عن عون بن عبد الله أنه كان يقول في بكائه وذكر خطيئته: ويح نفسي، بأي شيء لم أعص ربي? ويحي إنما عصيته بنعمته عندي، ويحي من خطيئة ذهبت شهوتها وبقيت تبعتها عندي، ويحي كيف أنسى الموت ولا ينساني? ويحي إن حجبت يوم القيامة عن ربي، ويحي كيف أغفل ولا يغفل عني? أم كيف تهنئني معيشتي واليوم الثقيل ورائي? أم كيف لا تطول حسرتي ولا أدري ما يفعل بي? أم كيف يشتد حبي لدار ليست بداري، أم كيف أجمع بها وفي غيرها قراري? أم كيف تعظم فيها رغبتي والقليل فيها يكفيني? أم كيف أوثرها وقد أضرت بمن آثرها قبلي? أم كيف لا أبادر بعملي قبل أن يغلق باب توبتي? أم كيف يشتد إعجابي بما يزايلني وينقطع عني? أم كيف لا يكثر بكائي ولا أدري ما يراد بي? أم كيف تقر عيني مع ذكر ما سلف مني? أم كيف تطيب نفسي مع ذكر ما هو أمامي? ويحي هل ضرب غفلتي أحدا سواي? أم هل يعمل لي غيري عن ضيعت حظي? ويحي كأنه قد تصرم أجلي ثم أعاد ربي خلقي كما بدأني، ثم وقفني وسألني، ثم أشهدت الأمر الذي أذهلني وشغلت بنفسي من غيري، وسارت الجبال وليس لها مثل خطيئتي، وجمع الشمس والقمر وليس عليهما مثل حسابي، وانكدرت النجوم وليست تطلب بما عندي، وحشرت الوحوش ولم تعمل مثل عملي، وشاب الوليد وهو أقل ذنبا مني، ويحي ما أشد حالي وأعظم خطري، فاغفر لي واجعل طاعتك همتي ولا تعرض عني يوم تعرض، ولا تفضحني بسرائري ولا تخذلني بكثرة فضائحي، بأي عين أنظر إليك وقد علمت سرائري?

وكيف أعتذر إليك إذا ختمت على لساني ونطقت جوارحي بكل الذي كان مني، إلهي أنا الذي ذكرت ذنوبي لم تقرعيني، أنا تائب إليك فاقبل ذلك مني، ولا تجعلني لنار جهنم وقودا بعد توحيدي وإيماني برحتمك.

قال عون بن عبد الله: ما أحد ينزل الموت حق منزلته إلا عد غدا ليس من أجله، كم من مستقبل يوما لا يستكمله، وراج غدا لا يبلغه، لو تنظرون إلى الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره.

قال عون بن عبد الله: إن تمام التقوى أن تبتغي إلى ما قد علمت منها علم ما لم تعلم، وإن النقص فيما قد علمت ترك ابتغاء الزيادة فيه، وإنما يحمل الرجل على ترك ابتغاء الزيادة قلة الانتفاع بما قد علم.

Page 217