78

Mukhtasar Sawaciq Mursala

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

Investigator

سيد إبراهيم

Publisher

دار الحديث

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

Publisher Location

القاهرة - مصر

Genres

عَبَدْتُمُوهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ يُرْجَى أَوْ يُخَافُ، بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ الَّذِي أَصَابَنِي مِنْ قِبَلِ الْحَيِّ الْفَعَّالِ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، بِيَدِهِ الضُّرُّ وَالنَّفْعُ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. ثُمَّ ذَكَرَ سِعَةَ عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، مِنْهَا عَلَى مَوْقِعِ احْتِرَازٍ لَطِيفٍ، وَهُوَ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عِلْمًا فِي وَفِيكُمْ وَفِي هَذِهِ الْآلِهَةِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ عِلْمِي، فَإِذَا شَاءَ أَمْرًا مِنَ الْأُمُورِ فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَشَاؤُهُ، فَإِنَّهُ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَنِي بِمَكْرُوهٍ لَا عِلْمَ لِي مِنْ أَيِّ جِهَةٍ أَتَانِي، فَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِمَا لَا أَعْلَمُهُ، وَهَذَا غَايَةُ التَّفْوِيضِ وَالتَّبَرِّي مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَأَسْبَابِ النَّجَاةِ، وَأَنَّهَا بِيَدِ اللَّهِ لَا بِيَدِي. وَهَكَذَا قَوْلُ شُعَيْبٍ ﷺ لِقَوْمِهِ: ﴿قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [الأعراف: ٨٩] فَرَدَّتِ الرُّسُلُ بِمَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ وَأَنَّهُ إِذَا شَاءَ فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَشَاؤُهُ وَلَا عِلْمَ لَنَا بِامْتِنَاعِهِ. ثُمَّ رَجَعَ الْخَلِيلُ إِلَيْهِمْ مُقَرِّرًا لِلْحُجَّةِ فَقَالَ: ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ﴾ [الأنعام: ٨١] يَعْنِي فِي إِلَهِيَّتِهِ ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: ٨١ - ٨٢] يَقُولُ لِقَوْمِهِ: كَيْفَ يَسُوغُ فِي عَقْلٍ أَنْ أَخَافَ مَا جَعَلْتُمُوهُ لِلَّهِ شَرِيكًا فِي الْإِلَهِيَّةِ وَهِيَ لَيْسَتْ مَوْضِعَ نَفْعٍ وَلَا ضُرٍّ، وَأَنْتَمْ لَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ أَشْيَاءَ لَمْ يُنَزِّلْ بِهَا حُجَّةً عَلَيْكُمْ، وَالَّذِي أَشْرَكَ بِخَالِقِهِ وَفَاطِرِهِ، فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَرَبِّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكِهِ آلِهَةً لَا تَخْلُقُ شَيْئًا وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ، وَلَا تَمْلِكُ لِأَنْفُسِهَا وَلَا لِعَابِدِيهَا ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا، وَجَعَلَهَا نِدًّا لَهُ وَمِثْلًا فِي الْإِلَهِيَّةِ، أَحَقُّ بِالْخَوْفِ مِمَّنْ لَمْ يَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَحَّدَهُ وَأَفْرَدَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَالْقَهْرِ وَالسُّلْطَانِ وَالْحَبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ٨١] فَحَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا بِأَحْسَنِ حُكْمٍ خَضَعَتْ لَهُ الْقُلُوبُ وَأَقَرَّتْ بِهِ الْفِطَرُ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: ٨٢] .

1 / 92