ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أُسَامَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٧] قَالَ: " مَطْوِيَّةٌ بِيَمِينِهِ يَرْمِي بِهَا كَمَا يَرْمِي الْغُلَامُ بِالْكُرَةِ» " وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ: نَظَرْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَيْفَ صَنَعَ، يَحْكِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: " «يَأْخُذُ اللَّهُ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدِهِ، فَيَقُولُ: أَنَا اللَّهُ "، وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا " وَيَقُولُ: أَنَا الرَّحْمَنُ أَنَا الْمَلِكُ " حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي أَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟» وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: لَمَّا كَتَبَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ قَالَ: " بِاسْمِ اللَّهِ، هَذَا كِتَابُ اللَّهِ بِيَدِهِ لِعَبْدِهِ مُوسَى يُسَبِّحُنِي وَيُقَدِّسُنِي وَلَا يَحْلِفُ بِاسْمِي آثِمًا، فَإِنِّي لَا أُزَكِّي مَنْ حَلَفَ بِاسْمِي آثِمًا ".
وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذِهِ النُّصُوصَ الَّتِي هِيَ غَيْضٌ مِنْ فَيْضٍ لِيَعْلَمَ الْوَاقِفُ عَلَيْهَا أَنَّهَا لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْ عُقَلَاءِ بَنِي آدَمَ مِنْهَا شَخْصًا لَهُ شِقٌّ وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ، وَلَهُ سَاقٌ وَاحِدَةٌ، وَلَهُ أَعْيُنٌ كَثِيرَةٌ.
[فصل فِي الْوَظَائِفِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْمُتَأَوِّلِ]
فَصْلٌ
فِي الْوَظَائِفِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْمُتَأَوِّلِ
لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي اللَّفْظِ هُوَ الْحَقِيقَةُ وَالظَّاهِرُ كَانَ الْعُدُولُ بِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ مُخْرِجًا لَهُ عَنِ الْأَصْلِ، فَاحْتَاجَ مُدَّعِي ذَلِكَ إِلَى دَلِيلٍ يُسَوِّغُ لَهُ إِخْرَاجَهُ عَنْ أَصْلِهِ فَعَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ لَا تَتِمُّ دَعْوَاهُ إِلَّا بِهَا:
الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: بَيَانُ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ فِي ذَلِكَ التَّرْكِيبِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ وَإِلَّا كَانَ كَاذِبًا عَلَى اللُّغَةِ، فَإِنَّ اللَّفْظَ قَدْ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ الْمَعْنَى لُغَةً، وَإِنِ احْتَمَلَهُ فَقَدْ لَا يَحْتَمِلُهُ فِي ذَلِكَ التَّرْكِيبِ الْخَاصِّ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَوِّلِينَ لَا يُبَالِي إِذَا تَهَيَّأَ لَهُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى بِأَيِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَهُ إِلَى مَقْصُودِهِ دَفْعِ الصَّائِلِ، فَبِأَيِّ طَرِيقٍ تَهَيَّأَ لَهُ دَفْعُهُ دَفَعَهُ، فَإِنَّ النُّصُوصَ قَدْ صَالَتْ عَلَى قَوَاعِدِهِ الْبَاطِلَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِلَ كَلَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى كُلِّ مَا سَاغَ فِي اللُّغَةِ وَالِاصْطِلَاحِ لِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ أَوِ الْخُطَبَاءِ وَالْكُتَّابِ وَالْعَامَّةِ إِلَّا إِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِمَا عُلِمَ مِنْ وَصْفِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَأَسْمَائِهِ وَمَا تَضَافَرَتْ بِهِ صِفَاتُهُ لِنَفْسِهِ وَصِفَاتِ رَسُولِهِ، وَكَانَتْ إِرَادَةُ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِذَلِكَ اللَّفْظِ مِمَّا
1 / 46