Mukhtaṣar al-Ṣawāʿiq al-Mursala ʿalā al-Jahmiyya waʾl-Muʿaṭṭila
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
Editor
سيد إبراهيم
Publisher
دار الحديث
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Publisher Location
القاهرة - مصر
Genres
جَعَلَ سُبْحَانَهُ الْغَلَبَةَ وَالْعَافِيَةَ لِمَا كَانَ عَنْ رَحْمَتِهِ، وَجَعَلَ الِاضْمِحْلَالَ وَالزَّوَالَ لِمَا كَانَ عَنْ غَضَبِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حِينِ قَامَتِ الدُّنْيَا إِلَى أَنْ يَرِثَهَا اللَّهُ وَمَنْ عَلَيْهَا أَنْ تَغْلِبَ آثَارَ غَضَبِهِ وَلَوْ فِي الْعَاقِبَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَغْلِبَ الرَّخَاءُ الشِّدَّةَ، وَالْعَافِيَةُ الْبَلَاءَ، وَالْخَيْرُ وَأَهْلُهُ الشَّرَّ وَأَهْلَهُ، وَإِنْ أُدِيلُوا أَحْيَانًا فَإِنَّ الْغَلَبَةَ الْمُسْتَقِرَّةَ الثَّابِتَةَ لِلْحَقِّ وَأَهْلِهِ، وَآخِرُ أَمْرِ الْمُبْطِلِينَ الظَّالِمِينَ إِلَى زَوَالٍ وَهَلَاكٍ، فَمَا قَامَ لِلشَّرِّ وَالْبَاطِلِ جَيْشٌ إِلَّا أَقَامَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْحَقِّ جَيْشًا يَظْفَرُ بِهِ وَيَكُونُ لَهُ الْعُلُوُّ وَالْغَلَبَةُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ - إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ - وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات: ١٧١ - ١٧٣] فَكَمَا غَلَبَتِ الرَّحْمَةُ غَلَبَتْ جُنُودُنَا، وَإِذَا كَانَ هَذَا مُقْتَضَى حَمْدِهِ وَحِكْمَتِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَهَكَذَا فِي دَارِ الْحَقِّ الْمَحْضِ تَكُونُ الْغَلَبَةُ لِمَا خَلَقَ بِالرَّحْمَةِ وَالْبَقَاءِ لَهَا.
وَسِرُّ هَذَا الْوَجْهِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ أَنَّ الْخَيْرَ هُوَ الْغَالِبُ لِلشَّرِّ، وَهُوَ الْمُهَيْمِنُ عَلَيْهِ، الَّذِي لَوْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلَ خَلْفَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ وَيُغَيِّرَهُ، وَإِذَا كَانَتْ لِلشَّرِّ دَوْلَةٌ وَصَوْلَةٌ لِحِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِغَيْرِهَا قَصْدَ الْوَسَائِلِ، فَالْخَيْرُ مَقْصُودٌ مَطْلُوبٌ لِنَفْسِهِ قَصْدَ الْغَايَاتِ.
الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ الْجَنَّةَ يَبْقَى فِيهَا فَضْلٌ، فَيُنْشِئُ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا يُسْكِنُهُمْ إِيَّاهَا بِغَيْرِ عَمَلٍ كَانَ مِنْهُمْ، مَحَبَّةً مِنْهُ لِلْجُودِ وَالْإِحْسَانِ وَالرَّحْمَةِ، فَإِذَا كَانَ وُجُودُهُ وَرَحْمَتُهُ قَدِ اقْتَضَيَا أَنْ يَدْخُلَ هَؤُلَاءِ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ تَقَدُّمِ عَمَلٍ مِنْهُمْ وَلَا مَعْرِفَةٍ وَلَا إِقْرَارٍ، فَمَا الْمَانِعُ أَنْ تُدْرِكَ رَحْمَتُهُ مَنْ قَدْ أَقَرَّ بِهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَاعْتَرَفَ بِاللَّهِ رَبِّهِ وَمَالِكِهِ، وَاكْتَسَبَ مَا أَوْجَبَ غَضَبَهُ عَلَيْهِ، فَعَاقَبَهُ بِمَا اكْتَسَبَهُ، وَعَرَّفَهُ حَقِيقَةَ مَا اجْتَرَحَهُ وَأَشْهَدَهُ أَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا مُبْطِلًا، وَأَنَّ رُسُلَهُ هُمُ الصَّادِقُونَ الْمُحِقُّونَ، فَشَهِدَ ذَلِكَ وَأَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَتَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ حَسْرَةً وَنَدَمًا، وَأَخْرَجَتِ النَّارُ مِنْهُ خَبَثَهُ كَمَا يُخْرِجُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ.
وَلَا يُقَالُ: الْخَبَثُ لَا يُفَارِقُهُمْ وَالْإِصْرَارُ لَا يَزُولُ عَنْهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨] فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فِي حُكْمِ الطَّبِيعَةِ الْحَيَوَانِيَّةِ، وَلِهَذَا فِي الدُّنْيَا لَمَّا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ تَجِدُ عُقْدَةَ الْإِصْرَارِ قَدِ انْحَلَّتْ عَنْهُمْ وَانْكَسَرَتْ نَخْوَةُ الْبَاطِلِ وَلَكِنْ لَمْ تَظْهَرْ قُلُوبُهُمْ بِذَلِكَ وَحْدَهُ.
1 / 275