Mukhtaṣar al-Ṣawāʿiq al-Mursala ʿalā al-Jahmiyya waʾl-Muʿaṭṭila
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
Editor
سيد إبراهيم
Publisher
دار الحديث
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Publisher Location
القاهرة - مصر
Genres
عِنْدَهَا، فَالرَّحْمَةُ حِينَئِذٍ أَدْنَى إِلَيْهَا مِنَ الْعُقُوبَةِ، وَالْعَفْوُ أَقْرَبُ إِلَيْهَا مِنَ الِانْتِقَامِ، فَإِذَا أَرَادَ بِهَا بَارِئُهَا وَفَاطِرُهَا أَنْ يَرْحَمَهَا أَلْهَمَهَا فَانْتَقَلَتْ بِهِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ فَإِنْ شَاءَ أَنْشَأَهَا بَعْدَ ذَلِكَ نَشْأَةً أُخْرَى، وَطَبَعَهَا عَلَى غَيْرِ طَبِيعَتِهَا الْأُولَى، فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ، فَلَا يَظُنُّ بِهِ مَنْ سَاءَ فَهْمُهُ أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ أَنَّهُمْ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ، وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ، وَكُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا، فَمَنْ رَدَّ كَذَلِكَ وَكَذَّبَهُ فَهُوَ كَافِرٌ جَاحِدٌ لِمَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ أَخْبَرَ بِهِ، فَلَيْسَ فِي هَذَا نَظَرٌ وَلَا شَكٌّ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي كَوْنِ النَّارِ أَبَدِيَّةً كَالْجَنَّةِ لَا تَفْنَى أَبَدًا وَإِلَّا فَمَتَى دَامَتْ نَارًا فَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
فَصْلٌ
وَلْنَرْجِعْ إِلَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا: عَذَابُ الْكُفَّارِ مَصْلَحَةٌ لَهُمْ وَرَحْمَةٌ لَهُمْ حَامُوا حَوْلَ هَذَا الْمَعْنَى، وَلَمْ يَقْتَحِمُوا لُجَّتَهُ، وَإِلَّا فَأَيُّ مَصْلَحَةٍ لَهُمْ فِي عَذَابٍ لَا يَنْقَطِعُ، وَهُوَ دَائِمٌ بِدُونِ الرَّبِّ تَعَالَى، فَتَأَمَّلْ هَذَا الْوَجْهَ حَقَّ التَّأَمُّلِ وَأَعْطِهِ حَقَّهُ مِنَ النَّظَرِ، وَاجْمَعْ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَعَانِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُ رَسُولِهِ، وَمَا قَالَهُ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَا تُبَادِرْ إِلَى الْقَوْلِ بِلَا عِلْمٍ وَلَا إِلَى الْإِنْكَارِ، فَإِنْ أَسْفَرَ لَكَ صُبْحُ الصَّوَابِ، وَإِلَّا فَرُدَّ الْحُكْمَ إِلَى مَا رَدَّهُ اللَّهُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [هود: ١٠٧] وَتَمَسَّكْ بِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁، وَقَدْ ذَكَرَ دُخُولَ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلِ النَّارِ النَّارَ، وَوَصَفَ حَالَهُمْ ثُمَّ قَالَ: " وَيَفْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَشَاءُ ".
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ الَّذِي يَخْلُقُهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَيُقَدِّرُهُ مِنَ الْأُمُورِ نَوْعَانِ: غَايَاتٌ وَوَسَائِلُ، وَقَدِ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنَّ الْوَسَائِلَ تَضْمَحِلُّ وَتَبْطُلُ إِذَا حَصَلَتْ غَايَتُهَا كَمَا يَبْطُلُ السَّفَرُ عِنْدَ بُلُوغِ الْمَنْزِلِ، وَيَزُولُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ عِنْدَ حُصُولِ الشِّبَعِ وَالرَّيِّ، وَالْخَيْرَاتُ وَالْمَنَافِعُ هِيَ الْغَايَاتُ الْمَقْصُودَةُ لِنَفْسِهَا.
وَالشُّرُورُ وَالْآلَامُ إِنَّمَا تُقْصَدُ قَصْدَ الْوَسَائِلِ، لِإِفْضَائِهَا إِلَى الْخَيْرَاتِ وَالْمَنَافِعِ، وَمَا كَانَ مَقْصُودًا لِنَفْسِهِ فَإِنَّ بَقَاءَهُ وَدَوَامَهُ هُوَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ مَقْصُودًا لِغَيْرِهِ، فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ بِهِ لَمْ يَكُنْ فِي دَوَامِهِ وَبَقَائِهِ حِكْمَةٌ وَلَا مَصْلَحَةٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ النَّارَ سَوْطًا يَسُوقُ بِهَا عِبَادَهُ إِلَى رَحْمَتِهِ وَجَنَّتِهِ، وَيُخَوِّفُهُمْ بِهَا مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَيُطَهِّرُ بِهَا مَنِ اكْتَسَبَ مِنْ عِبَادِهِ خَبَثًا وَنَجَاسَةً، وَلَا
1 / 267