208

Mukhtaṣar al-Ṣawāʿiq al-Mursala ʿalā al-Jahmiyya waʾl-Muʿaṭṭila

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

Investigator

سيد إبراهيم

Publisher

دار الحديث

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

Publisher Location

القاهرة - مصر

Genres

عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا نَحْنُ فَعِنْدَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَّضَهُمْ لِلطَّاعَةِ وَالْإِيمَانِ وَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ وَمَكَّنَهُمْ مِنْهُ وَرَضِيَهُ لَهُمْ وَأَحَبَّهُ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمُ الْكُفْرَ وَالْعِصْيَانَ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُكْرِهْهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَجْبِلْهُمْ عَلَيْهِ وَلَا شَاءَهُ مِنْهُمْ وَلَا كَتَبَهُ عَلَيْهِمْ وَلَا قَدَّرَهُ، وَلَا خَلَقَهُمْ لَهُ وَلَا خَلَقَهُ فِيهِمْ، وَلَكِنَّهَا أَعْمَالٌ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ وَشُرُورٌ هُمْ لَهَا فَاعِلُونَ، فَإِنَّمَا خَلَقَ إِبْلِيسَ لِطَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَلَمْ يُخْلَقْ لِمَعْصِيَتِهِ وَالْكُفْرِ بِهِ، وَصَرَّحَ قُدَمَاءُ هَذِهِ الْفِرْقَةِ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ إِبْلِيسَ حِينَ خَلَقَهُ أَنَّهُ يَصْدُرُ مِنْهُ مَا صَدَرَ، وَلَوْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يَخْلُقْهُ، وَأَبَى مُتَأَخِّرُونَ ذَلِكَ، وَقَالُوا: بَلْ كَانَ سُبْحَانَهُ عَالِمًا بِهِ وَخَلَقَهُ امْتِحَانًا لِعِبَادِهِ لِيَظْهَرَ الْمُطِيعُ لَهُ مِنَ الْعَاصِي، وَالْمُؤْمِنُ مِنَ الْكَافِرِ، وَلِيُثِيبَ عِبَادَهُ عَلَى مُعَادَاتِهِ وَمُحَارَبَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ أَفْضَلَ الثَّوَابِ، قَالُوا: وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ اقْتَضَتْ بَقَاءَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الدُّنْيَا وَأَهْلُهَا، قَالُوا: وَأَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لِيُطِيعَهُ فَيُثِيبَهُ، فَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ الْمَعْصِيَةَ وَالْكُفْرَ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ مِنَ الرَّبِّ وَلَا إِلْجَاءٍ لَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَلَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّجُودِ، وَلَا سَلَّطَ عَلَى آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ قَهْرًا، وَقَدِ اعْتَرَفَ عَدُوُّ اللَّهِ بِذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُ: ﴿وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [إبراهيم: ٢٢]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [سبأ: ٢١] قَالُوا: فَانْدَفَعَتْ تِلْكَ الْأَسْئِلَةُ وَظَهَرَ أَنَّهَا تَرِدُ عَلَى أُصُولِ الْجَبْرِيَّةِ لَا عَلَى أُصُولِنَا.
وَقَالَتِ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ، حِزْبُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: كَيْفَ يَطْمَعُ فِي الرَّدِّ عَلَى عَدُوِّ اللَّهِ مَنْ قَدْ شَارَكَهُ فِي أَصْلِهِ وَفِي بَعْضِ شُبَهِهِ، فَإِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ أَصْلُ مُعَارَضَةِ النَّصِّ بِالرَّأْيِ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى تَأْصِيلِهِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ وَأَمْثَالُهَا، فَمَنْ عَارَضَ النَّقْلَ بِالْعَقْلِ فَهُوَ شَرِيكُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنَ الرَّدِّ التَّامِّ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَمَّا شَارَكَهُ زَنَادِقَةُ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُنَجِّمِينَ وَالطَّبَائِعِيِّينَ فِي هَذَا الْأَصْلِ أَنْكَرُوا وُجُودَهُ وَوُجُودَ آدَمَ وَالْمَلَائِكَةِ، فَضْلًا عَنْ قِصَّةِ أَمْرِهِ بِالسُّجُودِ وَإِبَائِهِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ، وَلَمَّا أَنْكَرَتِ الْجَبْرِيَّةُ الْحُكْمَ وَالتَّعْلِيلَ وَالْأَسْبَابَ عَجَزُوا عَنْ جَوَابِ أَسْئِلَةٍ وَسَدُّوا عَلَى نُفُوسِهِمْ بَابَ اسْتِمَاعِهَا وَالْجَوَابِ عَنْهَا، وَفَتَحُوا بَابَ مُكَابَرَةِ الْعُقُولِ الصَّحِيحَةِ فِي إِنْكَارِ تَحْسِينِ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحِهِ، وَإِنْكَارِ الْأَسْبَابِ وَالْقُوَى وَالطَّبَائِعِ وَالْحِكَمِ وَالْغَايَاتِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا يَفْعَلُ الرَّبُّ مَا يَفْعَلُهُ، وَجَوَّزُوا عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ شَيْءٍ وَأَنْ يَأْمُرَ بِجَمِيعِ مَا نَهَى عَنْهُ وَيَنْهَى عَنْ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ الْبَتَّةَ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ، وَالْكُلُّ سَوَاءٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَكِنَّ هَذَا صَارَ حَسَنًا بِأَمْرِهِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ وَذَاتِهِ حَسَنٌ، وَهَذَا صَارَ قَبِيحًا بِنَهْيِهِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ وَذَاتِهِ قَبِيحٌ.

1 / 223